ظهور جريمة غسل الأموال وتطوّرها
نزار الربيعي
تعتبر عملية تهريب الاموال مسألة قديمة العهد ترقى الى ابعد العصـــور فقد كان الكـــهنة يمارسون النشاط المصرفي البدائي في بـلاد اوروك واور. وايام الإمبراطورية البابلية كانوا الكهنة يعتبرون فوق الشبهات وذلك لتمتعهم بمراكز دينية تجعلهم بعيدين عن الشبهات في حين انهم كانوا يحوزون الاموال من ودائـــع والقرابين التي تقدم من الناس، والتي استغلوها بتوزيع القروض التـــــي كانت عبارة عن علف للحيوانات تقـدم بفوائد بسيطة جدا». ثم انتقل النشاط هذا الى التـــجار الذين يتداولون نشاطا» مشابها لنشاط المعابد واستوجب كتمان اسماء واسرار الزبائن لكسب ثقتهم وهذا النشاط لم يبتعد عــــن المـــفهوم الاساسي القائم على الثقة والتستر او الاختباء الى ما شابه من عمليات قد تكون اهدافـــــــــــها دينية او مدنية لكنها تبقى تحت مسمى عمليات التهريب، لا نه يتم تخبئتها في كــهوف الهياكل والبعـــــــض يشير الى ظهور ظاهرة تهريب الاموال لدى الحضارات القديمة حيث كان التــجار ابــان الإمبراطورية الصينية يلجئون الى ظاهرة اخفاء الاموال عن طـــــــريق استثمارها بمناطق خارج الإمبراطورية خشية مصادرتها من قبل الحـــــــكام , والبعض يشير الى ان هذه الظاهــرة ظهرت في اوروبا في العصــــور الوســطى عندما كانت الكنيـــسة الكاثوليكية تحرم الربا وتعتبره خطيئة مما اضطر المرابون الراغبون في الاستمرار بجني الفوائد الــــــتي يحصلون عليها إلى اخفائها عن طريق ممارسات وادعاءات كـــــــاذبة .
غسل اموال
ويذكر أيضا» بان تـــــــجار المجوهرات في الهند قد قاموا بممارسة عمليات غسل الاموال في القرن التاسع عشر. و من الصعوبة الجزم بان غـــــــسل الاموال بمفهومه الحالي قد بدأ في الولايــات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الاولى ,حيث انه من خلال الحرب العالمية الثانية شكلت الحكومية الامريكية لجنة في وزارة الخزانة الامريكية من اجل عملية البحث عن مصدر الاموال التي قامت المصارف السويسرية بغسلها لصالح النظام النازي الالماني وسميت العملية آنذاك (بالوطن الآمن) وتم الاعتراف بوجود الأموال المنهوبة التي استولى عليها الجيش الالماني وطالبت بإعادتها الى اصحابها الشرعيين. وفي اواخر الثمانينيات ظهرت ظاهرة غــــــــسل الاموال. و خاصة بعد قضية (polar cop) ،وقد تمكنت مجموعة من تجار المجوهرات القيام بعملية غســـــــــل الاموال المشبوهة الناتجة عن تجارة المخدرات حيث تم شراء كميات من الذهب بهذه الاموال من قبل تجـــــــــــار امريكا اللاتينية، وكانت هذه العملية،هي عبارة عن عملية شراء وهمية من اجل ان يحصل التجار على الوثائق الضرورية لتبرير اخراج كميات من النقد لغرض غسلها .وبعد ذلك شاع استخدام مصــــــــــطلح غسل الاموال من قبل المهتمين في المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية. ومع تقدم الحياة وزيادة التعقيدات وظهور انماط مختلفة من الجرائم الحديثة والمستخدمة للوسائل التكنولوجية الجديدة، وعلى رأس هذه الجرائم جريمة غسل الاموال، وقد اهتم المجتمع الدولي بهذه الظاهرة من خلال ا برام العديد من الاتفاقيات الدولية لغرض الحد من خطورة انتشار هذه الظاهرة، وتم استخدام مصطلح غـــسل الاموال بطريقة مباشرة و من خلال التعبير عن مكونات هذا المصــطلح ونجد هذا في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المـــــــــخدرات اتفاقية فينا 1988 والتي ربطت غسل الاموال بالاتجار غير المشروع في المــــــخدرات وبعدها اصدرت لجنة بازل عام 1988 حول منع استخدام النظام المصرفي لأغراض غـــــــسل الاموال وفي عام 1989 اصدرت لجنة العمل المالي الدولية توصياتها الاربعين بالإضافة الـــــــى العديد ـمن الاتفاقيات الاخرى لمكافحة هذه الجريمة . والمثال التقليدي البسيط الذي يمكن اثارته هنا لفهم موضوع غسل الاموال، ممثل في تاجر المخدرات الذي يسترد امواله من تجارته الغير مشروعة حيث يقوم بإعــــــــــادة تحويل تلك الاموال غير المشروعة وادخالها في مشاريع استثمارية واقتصـادية مشروعة كشراء عقار ،او فتح محلات تجارية او تأسـيس شركة او شراء اسهم .وبعد ذلك يقوم ببيع ذلك كله مع اعادة العملية مرة اخرى وهكذا، في مظاهر اقتصادية مختلفة.
اخفاء مصدر
فتدخل هنا عملية التمويه والتضليل لا خفاء مصدر المال غير المشروع الذي تم غسله بمثل هذه المظاهر الاقتصادية اعلاه. وهناك عدة أسباب لظهور ظاهرة غسل الأموال وهذه الأسبــاب متنوعة منــــها اقتصـــــــادية ومنها اجتماعية ومنها سياسية إضافة إلى ضعف التشريعات التي لـــــــــم تسن لتجريم عمليات غسل الأموال ونلاحظ انه بازدياد تقدم العلم والتكنولوجيا ازدادت أساليب غسل الأمــــوال في الدول المتقدمة والنامية أيضاً.