عاصفة التحوّلات الكبرى.. مستقبل العالم والعرب في عودة ترامب
مصطفى عمار زهير الشهد
ماذا تثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض ؟ تثير تساؤلات حادة حول مستقبل النظام الدولي، حيث يسعى إلى الإبقاء على «صفقاته الكبرى» كوسيلة لوقف الحروب و تحقيق السلام، بينما يراه آخرون عنصرًا قد يشعل صراعات جديدة بأسلوبه السريع والمثير للجدل.
الملفات الأكثر إلحاحًا تبدأ من الصين، حيث دأب ترامب في ولايته الأولى على قيادة حرب تجارية واسعة، تمثلت في فرض الرسوم الجمركية والعقوبات. ان عودته قد يعني مزيدًا من التصعيد في التنافس التكنولوجي، ما يترك الاقتصاد العالمي في حالة هشة، ويؤدي إلى تباطؤ النمو ورفع الأسعار، مما سيضاعف انقسام العالم بين القوى الكبرى ويخلق بيئة اقتصادية متوترة تهدد استقرار الأسواق المالية.
و من ناحية اخرى، يبقى الصراع الروسي الأوكراني أحد أكبر الملفات التي يواجهها ترامب، حيث يميل إلى صفقة سريعة مع موسكو، عبر تنازلات قد تعزز نفوذ روسيا مقابل إنهاء الصراع. إلا أن هذا التوجه قد يثير مخاوف حلف دول الناتو، الذي يعتبر أن منح روسيا نفوذًا في أوكرانيا يهدد أمنها الاستراتيجي، خاصة ان حلف الناتو لا يزال داعمًا لوحدة أراضي أوكرانيا. وما قد يعتبره ترامب «صفقة سلام»، قد يصبح شرارة جديدة تزيد من توتر القارة وتعيد تعريف التحالفات بين واشنطن وحلفائها.
اتفاقات سلام
أما في الشرق الأوسط، فيبرز ملف إيران ولبنان و غزه حيث إن توجه ترامب نحو عقوبات وضغوط جديدة على طهران قد يعمق عدم الاستقرار في المنطقة، ويخلق بيئة ملتهبة في لبنان وغزة, رغم احتمالية سعيه لتوسيع اتفاقات سلام جديدة بين إسرائيل ودول عربية. كما يسعى لتعميق «اتفاقات أبراهام»، و هذا يعني تهميشا للقضية الفلسطينية و بابا مفتوحًا أمام التصعيد المستقبلي، ما يعيد تأجيج النزاعات حول القدس والأراضي العربيه المحتلة.
من جهة أخرى، موقف ترامب من حلفائه الأوروبيين لا يقل تعقيدًا؛ إذ لم يكن ترامب في ولايته الأولى داعمًا كبيرًا للناتو، بل اعتبره عبئًا ماليًا على الولايات المتحدة. عودته قد تدفع الأوروبيين إلى تعزيز استقلالهم الاستراتيجي، مع بناء قوة أوروبية تقلل اعتمادهم على الحماية الأمريكية، وهو ما يغير خريطة التحالفات ويفتح الباب أمام نزاعات داخل المعسكر الغربي ذاته.
التحديات لا تتوقف عند الحروب التقليدية؛ فمع التقدم التكنولوجي، تبرز الحروب السيبرانية كأداة جديدة لتلك الصراعات. ترامب قد يعيد تصعيد تلك الهجمات ضد خصومه، مما يعمق من حجم التهديدات الإلكترونية، حيث تشكل الصين وروسيا قوى منافسة في هذا المجال، مما يجر العالم نحو نوع جديد من الحروب دون دماء ولكن بعواقب وخيمة على البنية التحتية الحيوية واقتصاد الدول.
أخيرًا، الملف الفلسطيني يبقى شاهدًا على النهج الأمريكي تجاه قضايا العرب المركزية، حيث لم يبدِ ترامب اهتمامًا بطرح حلول جذرية للقضية الفلسطينية، بل أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، متجاهلًا الحق الفلسطيني في دولة موحدة. استمرار هذا التوجه قد يساهم في تكريس واقع يطمس القضية الفلسطينية من الأجندة الدولية، خصوصًا مع الضغط الأمريكي على العراق ودول المنطقة نحو إبرام اتفاقات منفردة مع الدول الكبرى بعيدًا عن أي تكتل عربي موحد. مما سبق يبين مشهد التحالفات المتغيرة وعواصف الصراعات المتصاعدة، أن فوز ترامب سيعيد تشكيل الساحة الدولية وفق قواعد جديدة. هل سيفي ترامب بوعده في جلب السلام، أم أنه سيقود العالم نحو مزيد من الانقسام وعدم الاستقرار؟