إنتاج الكهوف
عدنان سمير دهيرب
لا يبحث الانسان في المجتمعات المتخلفة عن المختلف عنه في الرأي أو نقيض ما يحمل من أفكار و تصورات . إذ أن العقل البشري يتسم بالانحياز و اللاموضوعية غالباً و تسيطر عليه الانفعالات إزاء القضايا السياسية و لاجتماعية و الدينية و المذهبية و حرث المواقف الخلافية التي وقعت قبل قرون من الزمن و إثارتها بين الحين و الاخر , كلما وجدت القوى المؤثرة في المجتمع ضرورة تلتقي مع مصالحها لإشغال و إستمالة الجمهور الذي يميل الى القنوات و وسائل الاتصال التي أصبح خطابها واضحاً بيناً في تناوله تلك القضايا و تعميقها لاسيما إبان وقوع الأزمات التي تعصف بالبيئة الهشة .
إن ذلك السعي الى التوافق مع الآراء و القناعات يفضي الى الوقوع في كهف التعصب و الانغلاق و الاوهام , نتيجه عدم الاهتمام و الانفتاح على الرأي الآخر الذي يحمل أفكاراً تفضي الى التقدم و معالجة المعاضل التي تحيق بالفرد و الجماعة . و هذه القناعات تترسخ نتيجة الانتماء للبيئة الاجتماعية و التقاليد المتوارثة من الاسرة و المجتمع , تتعمق خلال عملية التنشأة و الانتماء الى المكان و ما ينطوي من طقوس و أعراف و تقاليد سائدة متوارثة لا تبعث على التأمل و التفسير و النقد بل الخضوع لعبودية الجماعة . و الرضوخ للايديولوجية و (الوعي الزائف) .فيما تداهم التفاهة العقول و السلوك , فقد غدت لها وسائل و قنوات و منصات تسمح بمرافقة حياتنا الخاصة و العامة لتزيح القيم السامية و المشاعر النبيلة و تشيع الجهل و السطحية لصناعة كهوف خاصة تفتقر الى ضياء المعرفة .
بالرغم من أن الافكار تشكل جزءاً من شبكة التفكير النقدي الواعية , و نحن نقيمها وفقاً لصحتها , حقيقتها , خصائصها الاخلاقية , أناقتها , كمالها و سحرها سنقبل بها أو نتخلى عنها ,أحياناً خلال بحثنا عن القيمة و المعنى (روجر سكرتن / عن الطبيعة البشرية) .
هذا التفسير و التحليل يخلع عن الآخر الاتهام , و بخلافه يغدوا صورة نمطية في ذهن المختلف عنه بسبب عدم الحوار و النقاش العلني و إستيعاب ما ينتج من أفكار بهدف التحرر من أوهام تؤدي الى الركود و الانقسام و عدم التقدم و الرجوع الى خرافات و أكاذيب نشأت في بيئة منغلقة و زمن مضى .
و إعتقاد خاطئ بتفرد تلك المجتمعات الحديثة نحو التقدم و دينامية السعي نحو الرفاهية و الارتقاء في شتى حقول الحياة ذلك الاعتقاد ولد نتيجة الخوف و القيود و الاستعداد للصراع و فقدان الجرأة و الرغبة في التغيير لتقاطعها مع قوى تقليدية تجد في الهيمنة و الخضوع تحقيقاً لمصالحها التي أمتدت من نوازعها الانانية الفردية لتغدوا جماعة تبحث عن إعاقة كل ما يتعارض مع غاياتها الضيقة تحت ذرائع شتى من خلال إتهام الآخر بصفات الرذيلة و التجاوز على ثقافتنا و هويتنا و مقدساتنا . فيما يصف المفكر ماثيو آرنولد الثقافة هي السعي للكمال التام , من خلال معرفة أفضل ما قيل في العالم , و أفضل الافكار المتعلقة بالمسائل التي تهمنا , و بذلك نسوق تياراً من الافكار الحرة الطازجة الى مفاهيمنا و عاداتنا .
و يتجلى ذلك في سعي عدد من القوى و الحركات المتنفذة للاستحواذ على مكاسب و مغانم تتسم بالاهواء و الرغبات الخاصة بالرغم من سطوتها و سيطرتها على مفاصل الدولة و المجتمع . و هو ما يؤكد ضعف البنى الارتكازية الثقافية و الاجتماعية و استمرار الصراعات السياسية و النزاعات الاجتماعية الكاشفة عن شراسة في إستغلال و تعميق الواقع المضطرب لأغراض أنانية شخصية و حزبية غايتها الهيمنة و المال و المجد الزائف الذي يُعد أحد أسباب الهشاشة و مبرراً للانهيار . كلما أبتعدت تلك القوى عن المبادى و القيم الانسانية . و سمات بناء المجتمع المدني التي تتمثل بالمساواة و الحرية و التسامح و المواطنة و احترام الرأي الآخر .