من ينتصر للإنسان ؟
جاسم مراد
لم تعد القوانين ذات قيمة ، ولا للإنسان حقوق ، ولا للأطفال ضمانة البقاء ، ولا للنساء حرية البكاء ، كل شيء ممنوع ، والمسموح فقط هو القتل ، والقتل لا غيره ، هذا هو بالتحديد يجري في غزة ولبنان ، فالعالم والأمم المتحدة اصبحا شاهدان على ما يجري في غزة ، ولكل مذبحة بشرية إذ كان ذلك في بيت لاهيا أو الشجاعية أو مخيم جباليا أو في مناطق ومخيمات جنوب وشمال غزة أو لأشجار الزيتون ، في القانون الأمريكي يندرج تحت حق الدفاع عن النفس ، وفي قوانين وتشريعات الأمم المتحدة ، يندرج ذلك في سياقات عدم القدرة والسكوت على ما يجري في غزة تحت شعار ، ان مجلس الامن محكوم بالرفض الأمريكي والأمم المتحدة فقدت القدرة على تنفيذ أياً من قوانينها وتشريعاتها ، وأبناء العمومة لا يملكون اكثر من شهود زور على مذابح الأطفال والنساء .
هذا هو العالم إذن ولا شيء سواه ، ومن يدري قد يتحول الامر الى اكثر من ذلك ، فبعد الأسلحة المدمرة مثل الفسفور الممنوع عالميا ، قد يُستخدم السلاح التدميري الاخر وهو السلاح النووي ، خاصة إذا ما تم الحاق الوجع الكلي بإسرائيل ، ولما لا ، لا يحدث ذلك ، اليس هو وزير المالية الإسرائيلي هدد وطالب باستخدام النووي ضد شعب غزة وايده بذلك وزير الثقافة والامن الصهيونيان ، والجميع محميان بالقانون والسياسة الامريكية ( حق الدفاع عن النفس ) وأن أبناء العمومة لا يرون ولا يسمعون ولا يشهدون على ذلك ، وأن الجهة الوحيدة المسؤولة هي جمهورية ايران الإسلامية ، كونها الأوحد بين الجميع تقف مع غزة ولبنان والمقاومة ، ولعل خرائط نتن ياهو تفصح عن ذلك بوضوح ، وذلك لا تخشاه ايران ولا تترد عن استمراريته .
إذن نحن في عالم امريكي وغربي لا تفزعه مجازر الأطفال ولا تدمير المنازل فوق سكانها ولا تجريف أشجار الزيتون ، وبذلك يتأكد يقينياً نحن في عالم الغاب تسوده الوحوش وتتسيده رفعة يد واحدة في مجلس الامن تلغي كل النوايا الطيبة والقوانين الموقعة الحاكمة بين المذبوح والذابح ، وبذلك يتأكد لكل شعوب الأرض بأنه لا قيمة للتشريعات الأممية في الفصل بين الصراعات ولا حضور للأيات القرئانية والانجيلية والتوراتية في العهد القديم التي تنتصر للضعيف وتحمي المسبيين وتقف بجانب العدالة ، فالدين للإنسان ، والانسان هو الدين فإذا الكل اصبح بجانب القوي ضد الضعيف ، والطفل مذبوح من الوريد الى الوريد لا تتمكن أمة من القاء الشهادتين على جثته ، فما قيمة الانتماء وما قيمة صلوات الأديان التي تجمع البشرية .
هذا الذي يجري في غزة ولبنان من طغمة مشبعة بالعنصرية والعقول البربرية وفي القتل على الانتماء القومي والهوية ، هو بذاته يكشف باليقين القاطع بأنه ليس الأمم المتحدة ولا مجالسها ولا قوانينها يمكنها ان تنصف البشر ويحمي الشعوب ، وإنما من يحميها هو القوة ، السلاح بالسلاح ، والقاتل بقتله ، لذلك لم يخطأ من خطط ونفذ طوفان الأقصى ، ولم يخطأ حزب الله الذي قدم اعز قياداته وهو السيد نصرالله على درب طريق القدس .
المعركة الدائرة هي مفصلية في الحضور ، وتاريخية في التوجه والنهج والممارسة ، بدون الأرض والوطن الفلسطيني المستقل والقدس عاصمته وبدون لبنان الحر المستقل ، لا يمكن أن يتوقف الرصاص ولا يمكن أن تكون كل مدن إسرائيل في مأمن من الصواريخ وقاذفات اللهب ، فإذا كانت اخلاق المقاتلين لاتستهدف المدن المكتظة باليهود ، فإن امعان إسرائيل بقتل المواطنين الفلسطينيين واللبنانيين ، فإن ذلك يعطي الحق للمقاومين الابطال باستهداف كل شيء في كيان المحتل ، فلا حرمة لمن لا يحترم حق الأطفال في العيش والماء والغذاء والأدوية .
صحيح كانت الخسارة مؤلمة ومفجعة برحيل سيد المقاومة وباستشهاد قائد ومهندس طوفان الأقصى يحيى السنوار ، لكن خاب رهان العدو على جريمته تلك التي اشترك معه فيها كل محور الشر ، فمقاومة غزة بقيادة حركة حماس ورفاقها اشتدت اكثر وأوقعت الخسائر الكبيرة بين صفوف الجيش الإسرائيلي ، وتأكد للجميع سيما الغربيون والامريكيون من إن غزة هي صاحبة اليوم التالي وليس نتن ياهو الذي لم يحقق أي شيء من وعوده سوى قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية وهدم المستشفيات ، أما لبنان المتظافر رسمياً وشعبياً مع كفاح حزب الله وكل حركات المقاومة اللبنانية ، فأنه يقيناً سوف ينجز المهمة فهم المقاومون الذين يرون في الاستشهاد مكرمة الاهية وفي عقيدة القتال مهمة وطنية وإنسانية ومبدئية والنصر حليفهم ، أما المتربصون فلا يحصدون سوى الخيبة والخسران ، وهكذا علمتنا كل الشعوب المقاومة المناضلة من اجل حرية واستقلال اوطانها ، ومن يشك في ذلك عليه بقراءة التاريخ الذي سجل هزيمة المستعمرين في كل واقعة حدثت في مجرى الصراع ، فلا حل إلا بالسلام المبني على الحقوق ودون ذلك لا وقت للانتظار والتلاعب بالمشاريع والزيارات المكوكية والأفكار الناقصة ..