يتميز عمل الدبلوماسي بكثير من الصفات، ويتطلب استعدادات معينة ومهارات مهنية تدعمها ثقافة عامة وخاصة عن بلده وبلدان من يتعامل معهم، وقبل هذا وذاك رهافة حس وذكاء ميداني وسرعة بديهة ولغة مفهومة ومؤثرة بالنص أو التلميح. وبقدر حرص الدبلوماسي على تحقيق مصالح بلده، يجب أن يمتلك كذلك القدر الكافي من ثقة الآخرين به، أصدقاء وحتى أعداء!
ومن بين الصفات المتميزة كذلك هي قوة الشخصية في ضبط انفعالات النفس وعدم الكشف عن دواخل العقل بما يفضي الى الاستفادة منها من قبل من يبغي الأذية لبلده.
وتبقى هناك أشكال المظهر وطرائق التصرف بالحديث والاحترام والتواصل البروتوكولي وقواعد موائد الطعام وصالات الاحتفالات وغيرها من مناسبات.
أعود تحديداً الى مسألتي النفاق والاتفاق في اطار الذكاء الدبلوماسي.
يخطىء من يعتقد أنه من “الشطارة “ الدبلوماسية أن يتصرف الدبلوماسي كتاجر جنطة رخيص! فالدبلوماسية ليست خداعاً ولا صفقة “اخطف واجري” وليس الدبلوماسي بالبياع وماشي، وانما هي مهمة سامية وأمانة شعب ودولة في عنق ذلك الدبلوماسي. كما انها ليست “فهلوة” نفاق يعتقد صاحبها أنه الشاطر حسن، وانه قد “لعب”على من قابله من دبلوماسيي دول أخرى. لقد نسي ذلك المغفل ان كثيراً من دبلوماسيي الدول الاخرى من الذكاء والمعرفة ما يصعب على الكثيرين الضحك عليهم أو استغفالهم. وغالباً ما لا يبدون أولئك الدبلوماسيين اشمئزازهم من ذلك النفاق، لكنهم قد رصدوه وفهموه. من ناحية أخرى يقدرون أولئك الدبلوماسيين صدق المواقف وشجاعتها الدبلوماسية المهذبة حتى ولو اختلفوا مع أصحابها.
ان الدبلوماسيين الذين يسعون الى توافق واتفاق بين دولهم والدول الأخرى انما يحرصون على استخدام ذكائهم الدبلوماسي من أجل ذلك دون الانزلاق الى نفاق رخيص.
ولعمري ان للذكاء الدبلوماسي الذي ينجح الى الاتفاق وخدمة مصالح البلد وتطوير علاقاته إنما يقوم على أسس كثيرة، جرى التلميح اليها، منها:
- لاستعداد الشخصي لهذه المهنة المتميزة في مهامها التواصلية والتفاوضية والاقناعية.
- التهيؤ المعرفي والمهني والثقافي للنجاح في أداء هذه المهمة.
- الارتقاء بالذوق الجمالي في ادارة الاحاديث والمراسلات واللقاءات والمفاوضات.
برلين، 19.10.2024