فاتح عبد السلام
في حرب غزة، كانت هناك منذ الأسابيع الأولى وساطات وتصريحات حول الهدنة بالرغم من ان إسرائيل لم تكن تقبل بها، وانّ الذي أغراها للقبول الجزئي بها لأيام معدودة هو تبادل الاسرى الذي تم بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية. واستمرت مفاوضات خاصة بالهدنة المزعومة شهورا حتى كاشف الوسطاء العالم بأن الطريق مسدود ولا امل في أيّ مسار يفضي لوقف إطلاق النار وتبادل الاسرى مجددا بعد احباطات متتالية. ثم توقف كل شي الا القصف على شمال غزة حيث تعظم مأساة المدنيين على نحو مريع، فبعد اكثر من سنة يودي القصف في نهار واحد بحياة ثلاثة وسبعين فلسطينيا وجميعهم مدنيون بينهم نساء وأطفال. هنا المسألة لم تعد عمليات عسكرية تشنها إسرائيل للقضاء على “تنظيم” معاد لها ، المسألة تعني ببساطة وضع ما تبقى من الأهالي في شمال غزة أمام خيارين التهجير للأبد أو الإبادة. ويبدو ان إسرائيل تنتهز فرصة الفراغ الأمريكي تحت وقع السباق الانتخابي، لتقوم في خلال ثلاثة أسابيع بما يحقق لها أهدافها في تغيير الوضع السكاني لأهالي قطاع غزة، بعيداً عن مسار المواجهة العسكرية الذي اندلعت في ضوئه الحرب قبل سنة.
أمّا في لبنان، فلا توجد وساطات دولية لوقف الحرب أصلا، ولا تلتفت الإدارة الامريكية في هذا الوقت الانتخابي العصيب الى محاولات جدية لإيقاف الحرب، فالأمر رهن دعوات عامة كتلك التي أطلقتها القمة الاوربية الخليجية قبل أيام أو التصريحات الدبلوماسية المتحفظة لبعض الدول. ويبدو ان الجدار الفاصل بين الحل السياسي وعدمه في لبنان هو تطبيق القرار الدولي 1701، الذي تحول من قرار ملزم التنفيذ الى ساحة للجدال السياسي والاجتهادات وتعددية الروى في حين ان المشهد يقول كلمة واحدة لا لبس فيها هي الحرب والحرب والحرب، حتى «تنجز» إسرائيل ما قررته او يوقفها تطبيق القرار1701 الذي لم يبت حزب الله نهائيا بوضع موافقته عليه قولا واحدا ، بعد ان تعقد الموقف الميداني والسياسي اثر مقتل قيادته السياسية واتساع الدمار اليومي.
اللافت في الحروب هو ان الأهداف السياسية والعسكرية تتغير تبعا لمسار نيران الجبهات، وبما ان الجيش الإسرائيلي يتعثر بأذياله في بر المناطق الحدودية، فإن رهان حزب الله يتغير ايضاً، غير ان ذلك قد يعني ان يضطر الجيش الإسرائيلي بعد إتمام الضربة الموعودة على ايران وانتظار رد الفعل عليها ان يدفع بقواته الأساسية لاحتلال الجنوب اللبناني.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية