قالوا.. لها وعليها..
إنتفاضة تشرين في ذاكرة التاريخ
قاسم حسين صالح
كنت اتابع ما يكتبه الأعلام ( صحافة- فضائيات) عن انتفاضة تشرين/ اكتوبر، ما لها وما عليها، فوجدت أن معظمها اتفقت على ان مواقف العراقيين تنقسم إزاء ما شهدته البلاد في الأول من أكتوبر عام 2019، حين انطلقت التظاهرات الأكبر والأطول زمنا في تاريخ البلاد، فمنهم من يستذكرها باعتزاز وألم في آن معا، ومنهم من يحمّل المتظاهرين مسؤولية «الخراب» كما يصفه البعض..نوجز عدد منها بالآتي:
• د. حيدر نزار- النجف
يرى ان المحتجين في انتفاضة تشرين وما بعدها أدوا دَور البطل الصانع للأحداث في احتجاجات غير مسبوقة بتاريخ العراق وتعد أنموذجا للتاريخ الشعبي العراقي،وتسطيرا لبداية تاريخ عراقي جديد تمَثَّلَ البطلُ فيه في الشعب وفي قواه الفاعلة، متجاوزاً التقليديات المعروفة في هذا الجانب بأداء الحاكم أو الطبقات الاجتماعية المتنفذة في صناعة الأحداث وتغيير مسارات التاريخ في عملية إثبات واقعية لقدرات الشعب في التعبير عن إرادته وعدم الإذعان لإرادة الهيمنة المتعددة الفواعل والمتنوعة الأساليب، وأن اللحظات الاحتجاجية الحاسمة أثبتت إمكانية أن يجسّد الشعب عمليا بأنه مصدر السلطات.
• د. كاظم المقدادي -السويد
يرى ان الانتفاضة مثلت وحدة الطيف العراقي الزاهي،المطالب بحقوقه المشروعة،وفي مقدمتها الحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل،والرافض لمنظومة الفساد والمحاصصة الطائفية والإثنية ونهب أموال الدولة وتقاسم المغانم،وانها إستطاعت، برغم إفتقار جماهيرها ونشطائها للتنظيم وللقيادة الموحدة والمجربة،ان تجسد بأروع الأمثلة هويتها الوطنية الشعبية الشبابية العارمة،وعكست إرادة وتطلع غالبية الطيف العراقي والمواطنين غير المنتفعين من مغانم السلطة،متحدية أشرس هجمة مسعورة من جانب القوى المتنفذة والفاسدة،وإعلامها وأبواقها ووعاظ سلاطينها،التي مارست شتى صنوف الترهيب والتخوين والإفتراءات لتزييف الحقائق وتشويه أهداف الإنتفاضة والإساءة للمنتفضين، الى جانب سعيها المحموم لحرف الإنتفاضة عن مسارها.
حركات احتجاجية
• ويرى مركز الرافدين للحوار أن إنتفاضة تشرين 2019 من أهم الثورات والحركات الإحتجاجية في تأريخ العراق المعاصر، لإتساع حجم المشاركة الشعبية فيها، ولإمتدادها في رقعة جغرافية شملت تسع محافظات عراقية، وإجبارها حكومة السيد عادل عبد المهدي على الإستقالة، ودفع مجلس النواب الى إصدار قانون إنتخابات جديد، وتأليف مفوضية من المستقلين لإدارة إنتخابات مُبكرة، استطاعت من خلالها ان تنبثق من تشرين وأن تكون جزء من المعادلة السياسية الحالية.
• ويرى كثيرون ان المحتجين استعانوا بالخزين الطقوسي الاحتفائي إلى أقصى درجات النهل والاستخدام، إذ عبرت الجماهير بشعاراتها وأهازيجها بطريقة المراثي والردات الحسينية باستعمال واسع وذكي للرمزية الشعائرية وتمثل ذلك بتقسيم جمهور الاحتجاج الى مجاميع وجوقات حسب طريقة المسيرات العاشورائية وتأخذ كل مجموعة على عاتقها ترديد ردة تكون في هذه الحالة ذات طبيعة سياسية ناقدة ومنددة بأفعال السلطة وفسادها.
• حسين الغرابي، أمين عام حزب البيت الوطني العراقي، وهو من الأحزاب التي نتجت عن التظاهرات ،يقول:
«إن تظاهرات تشرين تأسيس للقادم، فلقد أنجزت مهمة عظيمة بتغيير إجتماعي كبير يتمثل بالشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والحقوق والحريات،وأن التغيير الإجتماعي كان أهم منتجات تشرين»،ولنا في دور المرأة الكبير الذي حصل مجتمعيا، وفي دور الشباب المفتقد سابقا خير دليل».
• شفق نيوز:
أحيا عشرات المتظاهرين، في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، يوم الجمعة،(2021) الذكرى الثانية لانتفاضة تشرين التي انطلقت في مثل هذا اليوم قبل عامين في بغداد وامتدت إلى عشر محافظات أخرى.وانخرط في هذه التظاهرات مئات آلاف المواطنين وغالبيتهم من فئة الشباب، وكانت أبرز شعاراتهم «نريد وطن» و»إخوان سنّة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه»، و»باسم الدين باكونا الحرامية» وشعارات اخرى نددت بتدخل دول مجاورة في الشأن العراقي.
• وكتبت عالمة الأجتماع زهراء علي عن الخيال النسوي في انتفاضة تشرين بأنها تحدت سياسة الموت وأصبحت الساحات فضاءً لحفلات السمر والرقص والمزاح ولعب الألعاب. وتردد شعار آخر في أوساط الشباب، هو «إنريد إنعيش».. الحياة الجيدة بعيدًا عن العنف المسلح والنزاعات السياسية.
كما أُنشِئت مسارح وسينمات في ساحة التحرير عُرضت فيها مختلف أنواع الدراما. واشتملت الأنشطة الجماعية في الساحة على الجلوس والقراءة من مختلف المكتبات المجانية والاستماع لمحاضرات قدّمها كُتاب ومثقفون ومحبون للثقافة والمشاركة في نقاشات. ونُظّمت ورش الرسم والفنون في الشوارع وعند جبل أحد وفي النفق المحيط بالساحة، عُلّقت فيه مختلف أشكال الفنون، استعرض بعضها مشاهد للوحدة الوطنية فيما ندّد بعضها الآخر بالقمع وقتل المتظاهرين،فيما احتفت أخرى بالنساء والشباب وشهداء التظاهر.
خلفيات اجتماعية
وأوضحت أغلب النساء اللاتي شاركن في الانتفاضة أنّ مشاركتهنّ كانت من أجل التنديد بالعنف الذي نال من المتظاهرين، وأنهنّ لم يختلفن عن جموع الأفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية والتعليمية والأيديولوجية الذين شاركوا في الاحتجاج في الشوارع وعبر الفضاء الإلكتروني احتجاجًا على مقتل المتظاهرين العُزّل.
ونضيف لما قالته زهراء..بأن النساء قدمن 15 شهيدة واختطاف اكثر من ست ناشطات. وردا على جهات في السلطة اعتبرت صوت النساء «عورة» ..سخر المتظاهرون منها وردوا عليها «لا مو عورة، صوتك ثورة». وكانت الأشادة بأحد أوّل الشهداء -صفاء السراي- بكنية (أبن ثنوة ) إشارةً إلى أمه ثنوة التي ولدت بطلا.
• المتظاهر الصحفي سجاد حسين لموقع «الحرة»
من جانب آخر يرى سجاد إن الخطأ الذي وقع فيه المتظاهرون، كان الفشل بتقدير مدى قوتهم، وبناء تصورات غير واقعية عن إمكانية التغيير الذي يستطيعون تحقيقه والفترة الزمنية التي يمكن تحقيقه بها. وأن «تحول التظاهرات إلى اعتصامات أفقدها الكثير من زخمها وشدتها، كما إن عدم وجود رؤية موحدة للمتظاهرين أو واجهة تحدد الأهداف التي يريدونها وتوحد نشاطهم، جعل من الممكن الالتفاف على مطالبهم. ويضيف ،ان التظاهرات اوصلت عددا قياسيا من الأعضاء المستقلين إلى البرلمان العراقي الجديد، أغلبهم من ناشطي التظاهرات أو قياداتها في محافظات مثل الناصرية والنجف..غير انه يعتقد أن صعود «شخصيات هزيلة وصلت للبرلمان بناء على أحلام وردية أثبتت فشلها.
• المتظاهر محمد العبودي
ان «تشرين حققت تغييرا كبيرا في منهجية السلطة، وأثرت تأثيرا ملموسا على سياسة الأحزاب المتنفذة، وأثرت أيضا على سلوكيات فصائلها المسلحة كذلك».لكن المتظاهرين عانوا من مشكلة التنظيم، واختراقات الجماعات المسلحة لساحات التظاهر» وأن «بناء الدولة في العراق، وتجذر الأحزاب الحاكمة في مفاصل الدولة يحول دون التغيير الذي طمح له المتظاهرون.
من جانب ثالث، يعزو كثيرون اسباب اجهاض الأحتجاج الى الأفعال التي مارستها من وصفت بـ»المليشيات المسلحة» والسلطة الحاكمة من خطف واغتيالات واعتقالات قسرية ودعاوى كيدية، إضافة إلى تشتت المحتجين واختلاف رؤاهم تجاه أبرز القضايا الهامة..فضلا عن ازدياد أعداد الجماعات والتنسيقيات التي تتكلم باسم الاحتجاج، وتصدر بعض من وصفوا بـ»المبتزين والمنتفعين» للمشهد في عدد من المحافظات، مع عدم وجود رؤية ذات بعد إستراتيجي لديمومة المظاهرات، مما حولها إلى احتجاجات من أجل المظاهرات لا أكثر.
• وفي حديثه للجزيرة.. أكد الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي حازم هاشم أن هناك أسبابا موضوعية أدت إلى تراجع حدة المظاهرات والعزوف الشعبي عنها تتعلق بطبيعة المظاهرات والداعين إليها وبأماكنها وتوقيتاتها، فضلا عن اشتراك أطراف شعبية من مظاهرات تشرين في العملية السياسية، وغواية أطراف تشرينية أخرى ورشوتها بقصد إسكاتها، والاعتماد على مجاميع من النفعيين المرتبطين ببعض الجهات،والتصفية التي تعرض لها أهم الشباب في الحراك الشعبي، وتغييب آخرين أو قتلهم، وهجرة بعضهم إلى الخارج، وزج آخرين في السجون، أدت إلى أن يكون «حراك تشرين» في حالة تناقض داخلي عميق.
• وتساءل محمد سالم بنفس شهر الأنتفاضة:هل بقيّ للنظام السياسي العراقي رصيدٌ يمكنهُ إنقاذه من الإفلاس أم أن سقوطه مسألة وقت؟ .المرجعيّة الدينية العُليا أعطّت إشارةً بمنح الحكومة «ولشخص عادل عبد المهدي كما يبدو» فرصةً جديدة للإصلاح والتغيير، واحتواء التظاهرات مع تفهُمها، لإعتبار «الحكومة ضرورةً وأمرٌ واقع» لابد منه، وحمّلت القضاء ومجلــــس النواب المسؤولية في التحرّر من الضغوط والقيود الحزبية والطائفية.
مَن يمكنه احتواء الأزمة؟ وكم ستستمر؟ وهل تتصاعد أم تخبو؟ الأسئلة مفتوحة لإجابات الزمن.
بهذا نكون قد وصلنا الى نهاية روايتنا عن الانتفاضة الأكبر والأطول زمنا في تاريخ العراق، وختمناها بما قاله عنها اكاديميون ومثقفون ومتظاهرون بينهم من ترك الأجابة عنها للزمن ،وكانت اجابة الزمن ان ساحات التحرير في العاصمة بغداد ومدن الوسط والجنوب ..قد تحنت بدماء آلاف الشهداء الشباب وعفّرت الشوارع بالحزن والدموع بين 2019 و 2022، وأن الفاسدين امتلكوا في 2023 اقوى ثلاثة وسائل للبقاء :السلطة والسلاح والمال.
غير ان التاريخ يحدثنا ان الشعوب باقية والطغاة زائلون،فكيف اذا كان هؤلاء الطغاة الذين حكموا عشرين سنة ،لم يحققوا انجازا واحدا لصالح الوطن،وأنهم افشل وأفسد من حكم العراق في تاريخ السياسي،وانهم افقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط في بلد يعد الأغنى في المنطقة و واحد من أغنى عشرة بلدان في العالم؟!