إنتخابات برلمان كردستان.. الشرعية والديمقراطية ومخاطر الفوضی
سيروان عبد الكريم علي
تُعتبر الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في كردستان في 20 أكتوبر 2024 لحظة مفصلية في تاريخ الإقليم والمنطقة. فهي ليست مجرد استحقاق سياسي روتيني أو واجب وطني، بل هي إنجاز يُعزز الشرعية ويُحافظ على مستقبل الديمقراطية في المنطقة. الانتخابات هي الوسيلة التي يجدد بها الشعب تفويضه للحكومة، ومن خلالها تُمارس السلطة التشريعية وتراقب السلطة التنفيذية.
فشل تاريخي
لذا، فإن أي محاولة لتأجيل، أو تزوير أو حتى إفشال الانتخابات ستُعَرِّضنا لفشل تاريخي لم يسبق له مثيل. فالانتخابات تولد الشرعية الديمقراطية في الأنظمة السياسية، وتُعتبر العملية الأساسية التي تجسد تداول السلطة بشكل سلمي. إنها رمز للعقد الاجتماعي بين المواطن ونظام الحكم. وعندما تغيب الانتخابات أو تُجمد، يتفكك هذا العقد، وتصبح الديمقراطية في مهب الريح. لذلك فإن تأخير الانتخابات أو تزويرها ليس مجرد تعبير عن أزمة إجرائية، بل هو تهديد للأسس الديمقراطية التي بُنيت عليها اقليم كردستان في العقود الماضية. وفي هذا السياق، تأتي أهمية انتخابات 2024. فهي ليست مجرد فرصة لتشكيل برلمان جديد، بل هي فرصة لإثبات أن الإقليم قادر على مواصلة تجربته الديمقراطية الفريدة، التي تميزه عن محيطه المضطرب في الشرق الأوسط. يشهد الإشراف على الانتخابات حضورًا شبه خارجي، مما يمثل عامل مزدوج التأثير. من جهة، يضمن هذا النوع من الإشراف شفافية أكبر في العملية الانتخابية، في ظل شكوك محلية حول نزاهة المؤسسات السياسية. كما يمكن أن يُعزز هذا الإشراف نزاهة الانتخابات ويعيد بناء الثقة المفقودة بين الشعب والمؤسسات. ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل الجوانب السلبية لهذا التدخل. فقد يؤدي إلى استياء بعض الأطراف التي تعتبره تدخلاً خارجيًا في الشؤون الداخلية للإقليم. وهذا قد يفتح ابواب أمام حساسية سياسية لا يمكن التنبؤ بعواقبها. لكن، من الضروري التركيز على أن الهدف الأسمى وهو بناء مجتمع مدني يحترم القانون والدستور و يتجنب كل ما يمكن أن يُضر بسمعة كردستان وتجربتها الديمقراطية. كما أن السيناريوهات المحتملة بعد الانتخابات تشمل:أولًا: إجراء الانتخابات واعتراف الجميع بنتائجها، مما يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة تعــــــــــكس إرادة الشـــــــــعب وتواصل المسار الديمــــــــقراطي.ثانيًا: إجراء الانتخابات، ولـــــــكن عدم اعتراف بعض الأطراف بنتائجها.
قوة سياسية
هذا السيناريو قد يؤدي إلى أزمة سياسية، حيث تُرفض النتائج من قبل بعض الأحزاب أو الشخصيات السياسية، مما يعمّق الفجوة بين القوى السياسية ويهدد استقرار الإقليم بشكل عام.ثالثًا: نجاح الانتخابات والاعتراف بنتائجها، لكن فشل الأحزاب شبه الفائزة في تشكيل ائتلاف حكومي. قد نجد أنفسنا أمام حالة من الجمود السياسي، حيث تؤدي المفاوضات الطويلة إلى تأخير تشكيل الحكومة، وفي أسوأ الحالات قد نضطر إلى إعادة الانتخابات.رابعًا: السيناريو الأسوأ والأكثر تداولاً في الشائعات، هو حدوث فوضى نتيجة للتوترات الإقليمية، خاصة مع تفاقم الصراع الإسرائيلي الإيراني، وتدخل بعض الاتجاهات السیاسیة العراقیة في الحرب. في هذا السيناريو، قد نجد أنفسنا أمام انقسام سياسي داخلي، حيث تصطف بعض الأحزاب مع الجانب الإيراني، بينما تظل أخرى محايدة آوآكثر میلاً للغرب. هنا يكمن خطر التفكك السياسي والانحدار نحو الفوضى. لذا، هناك حاجة ملحة إلى اتفاقات سلمية لتجنب الفوضى وتفادي السيناريوهات السلبية. يجب أن نتحد جميعًا حول هدف مشترك، وهو الحفاظ على استقرار كردستان وتجربتها الديمقراطي في تداول السلطة بشكل سلمي بين الأحزاب، والوصول إلى اتفاقيات شبه مبرمجة لتجنب الأزمات هو السبيل الوحيد لتفادي الانحدار نحو الفوضى. كما يقول الفيلسوف الألماني هيغل: «الحقيقة لا تُولد إلا من الصراع، ولكن الصراع يجب أن يُدار بحكمة كي لا يُدمر ذاته».
إن كردستان اليوم على مفترق طرق تاريخية، والتجربة الديمقراطية التي أسسها الإقليم منذ عام ١٩٩٢ تمثل نموذجًا فريدًا في الشرق الأوسط. علينا أن نحافظ على هذا النموذج من خلال الحوار والاحترام المتبادل بين الأحزاب، وتجنب أي تصرف قد يُضر بسمعة الإقليم. قوى الديمقراطية تكمن في قدرتها على التحول والتكيف، وليس في الجمود والانغلاق. وهنا یآتي دور الرئيس نيجيرفان بارزاني، الذي يحمل إرثاً تاريخياً مهماً في قيادة إقليم كردستان، كونه نجل المرحوم إدريس بارزاني، والذي لعب دوراً محورياً في النضال الكردي، وتربى على يد الزعيم مسعود بارزاني، مما أكسبه الحكمة والخبرة في مواجهة الأزمات وتوحيد الصفوف. وقد برز دوره كزعيم وطني مخضرم من خلال مساهماته في تعزيز الاستقرار في الإقليم، وحل النزاعات الداخلية بين الأحزاب السياسية، إلى جانب جهوده في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار كافة. حيث أصبح محوراً أساسياً في توجيه العملية السياسية والإشراف على حماية الشرعية الديمقراطية في کوردستان والعراق.
باعتباره الحامي الرسمي والدستوري لكيان الإقليم، يعمل الرئيس نيجيرفان بارزاني بشكل دؤوب على ضمان استمرار استقرار كردستان في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تهدد المنطقة. لقد أظهرت سياسته المتزنة والفعالة قدرته على التعامل مع التحديات وتحقيق التوازن بين المصالح المحلية والإقليمية، التي تمتاز بالرؤية البعيدة المدى وقدرته على إدارة الصراعات الداخلية بحنكة، مع الحرص على توحيد القوى السياسية. فقد أدرك الرئيس ومنذ بداية توليه لمنصب رئاسة الإقليم أن توحيد الصفوف بين الأحزاب الكردستانية هو السبيل الوحيد لضمان نجاح التجربة الديمقراطية في كردستان. وقد عمل بجد على بناء جسور التعاون بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، فضلاً عن إشراك باقي الأحزاب السياسية في الحوار الوطني.
هذا الجهد المتواصل يعكس حرصه على تجنب الانقسامات الحزبية التي مما قد تُفشل العملية السياسية برمتها. في ظل الحديث المتزايد عن احتمال وقوع الفوضى بسبب الصراعات الإقليمية، يبذل الرئيس نيجيرفان بارزاني جهودًا جبارة للسيطرة على الموقف، سواء من خلال علاقاته الدبلوماسية مع الأطراف الدولية، أو عبر توجيه القوى السياسية المحلية نحو التفاهم وتجنب التصعيد. في هذا السياق، أصبح الرئيس نيچيرڤان بارزاني ليس فقط الأمل الوحيد في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، بل أيضًا ركيزة يعتمد عليه في المشهد السياسي العراقي عامةً. وعلى الرغم من كونه النائب الأول لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أنه نجح في تجاوز الحدود الحزبية ليصبح رمزًا للوحدة الوطنية لدى كافة الأحزاب الكردية والعراقية. فشعب كردستان يراقب خطواته بحذر ودقة، ويرى فيه القائد الذي قد يقودهم نحو مستقبل أكثر استقرارًا وديمقراطيفي منطقة مليئة بالتوترات، نرى القيادة الحكيمة للرئيس بارزاني تمثل ضمانة لاستمرار التجربة الديمقراطية في كردستان، وهي دليل على أن الإقليم يمكنه أن يكون نموذجًا للسلام والاستقرار.
سياسي أكاديمي