الشهادة الواعية
حسين الزيادي
إن تعلق الإنسان بالحياة الدنيا، وحبه للخلود فيها، ونفوره من الموت بل حتى من استذكار الموت، ظاهرة تكاد تكون طبيعية في النفس الإنسانية الاعتيادية، وكلُّ إنسان حسب العادة يخشى الموت، ويبقى متمسكاً بالحياة حتى اخر يوم في حياته ، ولكن الحالة تختلف عند الشهيد، فهو يعشق الموت ويسعى لملاقاته بلا وجل ولا رهبة، والسر في ذلك في ذلك هو الايمان الراسخ بعدالة القضية ، والايمان المطلق بحياة بعد الموت وان موته يفتح ابواب الحياة لاهله ومحبيه، وبذلك اصبحت الشهادة مورداً للعطاء الدنيوي ، فهي تمنح المجتمع ولادة جديدة وحركة مميزة، لأن الشهيد يمثل القمة في العطاء من أجل دينه ووطنه ومن أجل القضايا والمبادئ والقيم التي يؤمن بها ويعمل من أجلها ، ولأنه يمثل السمو في الأخلاق والقدوة الحسنة في الصفات، وأكبر معاجز الشهادة هي ايصال الحياة إلى الأجزاء التي عفى عليها الزمن ، فالشهادة أولاً وأخيراً، حضور دائم في ساحة المعركة التاريخية الناشبة بين الحق والباطل، لان الشهادة في فلسفتها هي رفض مطلق لقيم التخاذل وتقبل الإذلال والظلم والاضطهاد والعيش الرخيص ومن الطبيعي ان من يعيش في ظل هذه المعاني، فهو ميت لا يعرف حقيقة الإيمان، لم يشتعل قلبه بنار العشق الإلهي ، فهو يعيش للغريزة والفناء ، ولا يعرف حقيقة القيم والمبادئ السامية كالعشق والعزة والكرامة والإيثار على النفس والانتصار على الذات ، وهو لا يعرف حقيقة الشهادة والشهداء، فالموت سعادة لانه يخلص النفس من ذل العبودية ولنا في قول الامام الحسين عليه السلام وقد تكالبت عليه الجيوش واصبح بينه وبين الموت برهة من الزمن (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) ان التكريم الحقيقي للشهداء لا يكون إلا من خلال السير على نهجهم نهج المحبة والعزة والكرامة والإباء والرفض لقوى الاستبداد ومقاومتها أشد المقاومة ، وعدم الرضوخ لإرادتها الشيطانية في الأرض ، ومن خلال بث روح التضحية والفداء والمحافظة على تراث الشهداء وتخليد المعاني والقيم والمبادئ التي ضحوا من أجلها وإحيائها وتحريكها على الأرض .
سلام على الشهداء، على الأحرار والعظماء الذين وفوا بالعهد ومضوا في سبيل اللَّه ، ووصلوا بهذه التضحيات إلى أعلى قمم الإنسانية وتذقوا طعم أعذب وأحلى الثواب الإلهي.