مناقشة في مقال
قرار محكمة التمييز (4/الهيئة العامة /2024) في الميزان
عبد الخالق الشاهر
القرار أعلاه يتعلق بقيام التمييز الاتحادية باعتبار قرار الاتحادية العليا معدوما، والذي انقسم رجال القضاء فيه بين مؤيد ورافض، ولعلي وجدت ان مقال الأستاذ الدكتور غازي فيصل يستحق المناقشة بهذا الصدد، وهو من المؤيدين لقرار التمييز الاتحادية كونه يرى ان المحكمة الاتحادية العليا خالفت اختصاصها الدستوري المحدد بالمادة (93) ومارست اختصاصا منوطا بمجلس النواب حصرا بموجب المادة (61/ أولا) وبصدد ذلك ارجو السماح لي بإبداء رأيي بالموضوع.. بعد التحية
الحقوقيون (غالبا) ما يتعسفوا باستخدام حق التقاضي المكفول دستوريا، ومنهم حقوقيو السلطة التشريعية فعندما نطعن بدستورية نص قانوني (وما أكثرها) يطلبون من الاتحادية العليا رد الطعن لأن مجلس النواب يختص ب (( تشريع القوانين الاتحادية)) وتكون اجابتي عادة بأني اتفق مع هذا الطرح الدستوري بلا نقاش ولكني اختلف معهم بأن هذا الاختصاص لا يمنع الاختصاص الدستوري للمحكمة الاتحادية العليا والذي تمثل ب ((الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة)) بل ذهب الدستور الى ابعد من ذلك في مجالنا وهو انها المسؤولة عن (( الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم))، وبالتالي نقول الآتي:-
أولا. ان أي مجلس نواب في العالم لا يمكن ان يكون من بين نوابه أكثر من نسبة 10% من حاملي الاختصاص القانوني، وأن وجود لجنة قانونية في مجلس النواب لا يعني انها ستفرض ارادتها على غير القانونيين، وبالتالي يمكننا تصور مدى إمكانية حصول الخلل في دستورية القوانين التي يسنها المجلس، ولذلك دأبت الأنظمة السياسية في العالم على اصلاح الخلل من خلال مؤسستين قضائيتين رفيعتين وهما محكمة دستورية (الاتحادية العليا) والادعاء العام الذي من مهامه الطعن لدى الاتحادية العليا بأي قانون نافذ يرى ان فيه خلل دستوري.. هنا فقط أيها الأخ الكريم يمكن الاطمئنان الى اكتمال عملية التشريع، وليس بالطريقة الخطأ التي يراها البعض وهي القائلة ان اختصاص التشريع محصور بمجلس النواب فقط وترك الحبل على الغارب.. فهناك مجلس الاتحاد (المنسي) والمحكمة الاتحادية العليا والادعاء العام وجمهور المتضررين من التشريعات النافذة، ولنفترض جدلا أن المسألة حصرية بمجلس النواب فكيف اعطينا الوقفين الشيعي والسني صلاحية اعداد مدونات تشريعية في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية؟؟ أليس هو اختصاص حصري لمجلس النواب أيضا؟؟ثانيا. أن النص الدستوري لا يمكن المساس به فهو يؤخذ على اطلاقه فعندما يقول الدستور ((قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة)) يعني انها ملزمة حتما ولا مجال للطعن بها بل ولا مجال لأي من السلطات الثلاث بضمنها الفضاء برمته ان يعترض او يعدل او يضيف لأن الدستور صوت عليه الشعب كما يفترض ان يكون الأمر ان كان الدستور صح ام خطأ.. كتب على عجالة ام بتأن.. كتب تحت الاحتلال ام في ظل سيادة الدولة.. لأنه باختصار (( القانون الأسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزما في أنحائه كافة، ولدون استثناء)) و (( لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم او اي نص قانوني آخر يتعارض معه)) والآن نسأل هل ان الدستور الذي تحدث في فصله الثالث عن السلطة القضائية بفرعين الأول لمجلس القضاء الاعلى بصفحة واحدة والثاني المحكمة الاتحادية العليا بصفحتين ونصف ولم تذكر فيه محكمة التمييز الاتحادية العليا سوى كونها احد مؤسسات مجلس القضاء الاعلى، فضلا عن كون الاتحادية تصدر قراراتها تحت عنوان (جمهورية العراق – المحكمة الاتحادية العليا) ولكي أوضح لكم خطورة الأمر ينبغي لنا ان نعترف بأن ما جرى هو عبارة عن عملية اضعاف للدستور ومنح الرفعة والعلو لنصوص قانونية حكمت المحكمة الاتحادية بعدم دستوريتها
علاقة شخصية
أخيرا وليس آخرا ... ليست لي علاقة شخصية أخي المكرم بأي من رموز مجلس القضاء الأعلى ولا بالاتحادية العليا ولا اعرف أحدا في محكمة التمييز الاتحادية ولكني اعرف الحق كما هو بتقديري كرجل قانون بسيط.
فيا اخي الأستاذ الدكتور غازي كلامك سليم تماما في حال ان يتم تعديل النص الدستوري وجعله يقول ((قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة ما لم تخرج عن اختصاصها ويمكن لمحاكم التمييز اعتبار قراراتها معدومة)) خلاف ذلك قد نكون البلد الأول في العالم الذي حصلت فيه حالة ان قرار الاتحادية يمكن اعتباره معدوما من لدن التمييز الاتحادية وقد نكون البلد الأول في العالم يستطيع فيه رئيس هيئة تقاعد (غير مستقلة) ان يرفض تنفيذ قرار الاتحادية 220/اتحادية/2022 ولا يتحرك الادعاء العام ولا مجلس القضاء ولا مجلس الوزراء .. الكل صامت كصمت العرب على جراحات فلسطين وبعدها لبنان مع فارق التشبيه.
عدا هيئة المساءلة والعدالة التي بادرت رأسا بتبليغ التقاعد بتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا والتي ينص قانونها على ((تلتزم الهيئات الرئاسية الثلاث ومجلس القضاء والوزارات .... بتنفيذ قرارات وتوجيهات الهيئة المشرعة بهذا القانون))، ولم يجد ذلك نفعا أيضا.
كل ما جاء في أعلاه لا يقلل من رصانة مقالكم وأهميته.