الدنيا تخطب الأماثل
حسين الصدر
-1-
كما يتقدم الخاطب المُريد للزواج بِفتاة مُعيّنة بطلب يدها من ولي أمرها
تتقدم الدنيا بخطبة الأماثل من الناس .
انها تريدهم لها، ولا تريدهم لما نذروا اليه أنفسهم من النهوض بالمشاريع الإنسانية النافعة، ولا سيما الاضاءات الفكرية والعلمية والخدمات الدينية .
-2-
وخيرُ مَنْ عَبَّرَ عن هذه الحقيقة هو الشريف الرضيّ وهو علم الاعلام وفارس حلبات الأدب والبلاغة ولو لم يكن له الاّ جمعه لكتاب نهج البلاغة المتضمن لِخُطَب ورسائل وحِكمَ أمير المؤمنين (ع) لكفاه ذلك مجداً وفخراً- حيث قال :
خَطَبَتْنِي الدنيا فقلتُ لها أرجعي
إنّي أراكِ كثيرةَ الأزواجِ
لم يرضَ الشريفُ الرضيّ أن يستجيب للخاطبة الغدّارة ،وهذا هو مقتضى العقل والحصافه والقدرة على اتخاذ القرار الصائب .
-3 –
والذين تتزوجهم الدنيا - ممن تنطلي عليهم أحابيلُها - تدفع بهم نحو المزالق والمآزق بعيداً عن حسابات الآخرة .
والدنيا والاخرة – كما هو معلوم – ضرتان
وقلَّ مَنْ ينجح في السيطرة على زمام الأمور دون أنْ يقع في مطبات الاخلال بالتوازن والاعتدال .
-4-
المشكلة عندنا انّ الآخرة – وهي الحياة الدائمة – منسيّةٌ، وانّ الدنيا – وهي المرحلة الأولى التي سرعان ما تنتهي – تحظى بالاولوية والاهتمام الزائد في مفارقة غريبة .
نعيم الدنيا زائل ،
ونعيم الآخرة باقٍ لا ينتهي، فطوبى للفائزين بالنعيم الخالد .
-5-
لا تَنْسَ قولَ الشاعر :
أيا مَنْ عاش في الدنيا قليلا
وأفنى العمرَ في قِيلٍ وقالِ
وأتعبَ نَفْسَهُ فيما سيفنى
وجمّع مِنْ حَرامٍ أو حلالِ
هب الدنيا تُقادُ اليك طَوْعاً
أليسَ مصيرُ ذلك للزوالِ ؟
-6-
لابد من تحصيل الزاد ليوم المعاد .