مشكلة عودة أطفال داعش إلى المدارس
شيرزاد نايف
في هذه المرحلة، تبرز مواجهة صعبة في رحلة إعادة الإدماج والتحديات التعليمية للأطفال الناجين من تنظيم داعش. منذ صعود التنظيم، عانى العديد من الأطفال من ظروف مأساوية تركت أثراً عميقاً في حياتهم.
هؤلاء الأطفال، الذين كانوا في سن الثامنة تقريباً خلال فترة هيمنة التنظيم، يواجهون الآن صعوبات هائلة في محاولة العودة إلى حياة طبيعية، خصوصاً في مجال التعليم. فقد نشأوا في بيئة مليئة بالعنف والصدمات، مما أثر بشكل كبير على فرصهم في الحصول على تعليم مستقر. وبخاصة الأطفال اليزيديون الذين يعدون من أبرز الفئات المتضررة، فقد تعرضوا لأبشع أشكال الاضطهاد من قبل تنظيم داعش، حيث تم اختطافهم وتعريضهم لظروف قاسية شملت العنف الجسدي والنفسي. بالإضافة إلى فقدانهم لعائلاتهم، حُرم هؤلاء الأطفال من التعليم، وهو حق أساسي يُعتبر حجر الزاوية في تطورهم. حتى بعد تحريرهم، يواجه الأطفال اليزيديون صعوبات كبيرة في العودة إلى المدارس بسبب الصدمات النفسية العميقة التي تعرضوا لها. بعد مرور سنوات، أصبحوا الآن في سن الشباب، وتربوا في بيئة خاصة لا تشبه البيئات الاعتيادية، مما يزيد من تعقيد عملية إعادة إدماجهم في النظام التعليمي.
أما الأطفال الذين وُلدوا لأفراد من تنظيم داعش، فيواجهون تحديات فريدة أيضاً. هؤلاء الأطفال نشأوا في ظل النزاع، وغالباً ما يفتقرون إلى الوثائق الرسمية مثل الهوية الوطنية أو الجنسية، مما يجعل من الصعب عليهم الحصول على التعليم والخدمات الأساسية. هذا النقص في الوثائق يعقد عملية إعادة إدماجهم في المجتمع، كما أن وصمة العار المرتبطة بكونهم أبناء مقاتلين تساهم في تفاقم وضعهم الاجتماعي والنفسي، مما يجعل التحديات التعليمية التي يواجهونها أكثر حدة.
مساعدة الاطفال
في ظل هذه الظروف الصعبة، تأتي منظمات حقوق الإنسان كداعم رئيسي في مساعدة هؤلاء الأطفال على إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع. تتصدر منظمة Jiyan لحقوق الانسان ـ « https://jiyan.org/ الجهود المبذولة لدعم الأطفال الناجين من داعش. منذ بداية الأزمة، قامت المؤسسة بجهود كبيرة لتوفير التعليم، والدعم النفسي، والرعاية الصحية للأطفال المتأثرين. تركزت هذه المنظمة على تقديم برامج تعليمية متخصصة تتناسب مع احتياجات هؤلاء الأطفال، بما في ذلك برامج إعادة تأهيل نفسي وبرامج تعليمية غير نظامية للأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس التقليدية.
تدرك هذه المنظمة أهمية الدور الذي يلعبه التعليم في إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وتغيير مسارهم نحو مستقبل أفضل. لذا، تركز المنظمة على استبدال التربية القاسية والتطرف التي تعرضوا لها في ظل تنظيم داعش بتربية حضارية ومدنية تزرع فيهم قيم التسامح والاحترام لحقوق الإنسان. عبر برامج تعليمية متكاملة، تسعى المنظمة إلى تعزيز الوعي المدني وبناء قدراتهم في مواجهة الأفكار الإرهابية، مما يساهم في تشكيلهم كأفراد فاعلين وإيجابيين في المجتمع. إن هذه الجهود تهدف إلى إعادة بناء شخصيتهم بطريقة تساعدهم على التكيف مع الحياة المدنية، وتجنب تأثيرات التربية الداعشية التي تعرضوا لها.
رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسة ومنظمات أخرى، تبقى التحديات التي يواجهها هؤلاء الأطفال هائلة. يحتاج هؤلاء الأطفال إلى دعم مستمر يعالج احتياجاتهم الخاصة ويعزز فرصهم في استعادة حياتهم الطبيعية. يتطلب الأمر تضافر جهود المجتمع الدولي والدول المعنية لضمان حقوق هؤلاء الأطفال وتقديم حلول شاملة لدعمهم في إعادة تأهيلهم وتعليمهم، كما يجب تحسين الإجراءات البيروقراطية للحصول على الوثائق اللازمة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي الذي يساعدهم على التكيف مع الحياة بعد الصراع.
تظل قضية الأطفال الناجين من داعش من القضايا الإنسانية المعقدة التي تتطلب اهتماماً خاصاً وتضافر جهود متعددة الأطراف. من خلال العمل الجماعي والدعم المستمر، يمكننا أن نأمل في توفير حياة أفضل ومستقبل مشرق لهؤلاء الأطفال الذين عانوا كثيراً. إن توفير التعليم والدعم اللازم لهم ليس فقط واجباً إنسانياً، بل هو استثمار في بناء مجتمعات أكثر استقراراً وازدهاراً في المستقبل.