الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المشهد الثقافي في عراق ما بعد الإحتلال

بواسطة azzaman

المشهد الثقافي في عراق ما بعد الإحتلال

سامي الزبيدي

 

استبشر العراقيون خيراً بعد تغيير النظام عام 2003 واعتقد أكثرية الشعب ان عقوداً من والاستبداد والظلم والعنف والحروب التي أثرت كثيراً على بنية المجتمع العراقي قد انتهت , وكان المثقفون شأنهم شأن العديد من النخب العراقية    قد عانوا كثيراً قبل الاحتلال الأمريكي بسبب تقييد الحريات الشخصية والثقافية وحرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير عن الرأي والفكر وغيرها وكان حال اغلب المثقفين في تلك الفترة أما التهميش المتعمد أو الابتعاد عن الساحة الثقافية قسراً أو اختيار أو ركوب موجة النظام الحاكم وسياساته ومن لا يسلك هذا الخيار الصعب عليه ان يتوقع الأصعب حيث المراقبة والمطاردة أو الاعتقال والحبس أو اختيار المنفى وبلاد المهجر بعيداً عن عيون والسلطة ومضايقاتها, أما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق فان المشاكل التي عانى منها جميع العراقيين والمثقفين منهم خصوصاً لم تكن في الاحتلال وحده بل بالضجيج السياسي الذي رافق الاحتلال من الأحزاب العديدة التي ظهرت على الساحة العراقية وهي تحمل أهداف وأجندات خاصة بها سعت لتحقيقها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة وعلى حساب مصالح الوطن والشعب مستغلة الفوضى التي رافقت احتلال الوطن لتوهم العراقيين أنها هي من أسقطت النظام وهي التي جاءت بالديمقراطية والحرية والتعددية والفيدرالية وغيرها من المصطلحات البراقة التي سمعنا بها بعد الاحتلال

حياة سياسية

لقد عمت الفوضى أو الفوضى الخلاقة كما سماها الأمريكان  بعد احتلالهم البلاد جميع مفاصل الحياة  السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والصحية والأمنية وكان نصيب الثقافة والمثقفين من هذه الفوضى كبيراً جداً بعد أن سيطرت على الساحة الثقافية أسماء وشخصيات لا جذور ثقافية لها ولا تملك أي مؤهلات أكاديمية أو علمية أو ثقافية وليست لها خبرة أو تجربة في عالم الثقافة كما ضجت الساحة الثقافية والإعلامية بعشرات الصحف  والمطبوعات البعيدة عن الرصانة والحرفية يشرف عليها صحفيون مغمورين وغطى الطيف العراقي العديد من المحطات الفضائية والإذاعية المملوكة لأحزاب وكتل سياسية فاعلة أو لمتنفذين سياسيين أو مقربين منهم ومن سلطات الاحتلال وغصت المكتبات والأسواق بالكتب والمجلات البعيدة عن الذوق وهكذا انطفأ ما كان باقياً من وهج الثقافة وألقها , وفي خضم هذه الفوضى عاد العديد من المثقفين من بلاد الغربة والمهجر يحدوهم الأمل في ان ثورة ثقافية كبيرة ستحدث بعد التغيير لكنهم صدموا بقوة بعد ما شاهدوا ما يجري في المشهد الثقافي فالساحة الثقافية ليست ساحتهم والفوضى سيدة كل مفصل من مفاصل الثقافة ورموز الثقافة المعروفين بعيدين عن الساحة والبنى التحتية الثقافية أما مدمرة أو منهوبة كالمتحف الوطني والمكتبة الوطنية ودار المخطوطات والمسرح الوطني ودور النشر والمطابع وغيرها ومع هذا الخراب والدمار وهذه الفوضى حاول بعض المثقفين المخلصين لعملهم ووطنهم إصلاح ما يمكن إصلاحه وترميم ما أفسده الاحتلال والصراع السياسي والطائفي الذي حدث بعد الاحتلال بعمل مضني وطويل لا يخلو من مخاطر في اغلب الأحيان فبدأت الحركة تدب من جديد في عدد من المؤسسات الثقافية والأدبية والفنية ونشطت عملية الكتابة والنشر وعاودت بعض المنشات الثقافية نشاطها وافتتحت بعض الفعاليات والمهرجانات الثقافية الخجولة ورافق ذلك إصلاح بعض البنى التحتية الثقافية كما سُمح للعديد من المطبوعات العربية والأجنبية من دخول البلاد ومنحت وسائل الإعلام المختلفة حرية عمل اكبر إلا ان هذه الإجراءات اصطدمت بإجراءات بيروقراطية من الحكومات المتعاقبة واعتراضات من أغلب الأحزاب والكتل السياسية المتنفذة لأنها رأتها لا تنسجم وتوجهاتها وأهدافها الطائفية وقد أثرت هذه الإجراءات والاعتراضات كثيرا على عملية إعادة البناء والنهوض بالثقافة العراقية الى آفاق جديدة تتلاءم والنظام السياسي الجديد وتنسجم والحريات التي حدثت بعد التغيير والتي جاء ت في دستور للبلاد الجديد , ومع ذلك فان الأمل لا زال يراود المثقفين والقائمين على الثقافة لتصحيح مسار العمل الثقافي والارتقاء به نحو آفاق جديدة من خلال ثورة ثقافية حقيقية تطال كل مفاصل الثقافة وفروعها وفي المقدمة منها وزارة الثقافة تراعي  العمل المهني والحداثة والإبداع والتنافس والتطور الذي يشهده العالم وعالم الثقافة بالذات والاهم من ذلك تراعي الحرية في العمل الثقافي وإلغاء الرقابة والقيود التي تفرض عليه  كمقترح قانون  حرية الرأي والتعبير الذي واجه معارضة كبيرة من المثقفين والإعلاميين وحتى بعض السياسيين .

حرية الرأي

ويجب ان يجري كل هذا وفق تخطيط سليم ومدروس يأخذ بنظر الاعتبار رد الاعتبار للمثقفين المغتربين وغيرهم وتعويضهم وإعادة حقوقهم ومنحهم الفرصة ليساهموا في بناء ثقافة عراقية رصينة تنسجم وتاريخ وحضارة العراق وتنسجم والنظام الديمقراطي الحقيقي وإبعاد المؤسسات الثقافية والفنية والأدبية عن المحاصصة الحزبية والطائفية والتأكيد على حرية الرأي والتعبير وعدم التضييق على المثقفين والإعلاميين وعلى وسائل الإعلام وعلى الكتاب ودور النشر والاستفادة من خبرات وتجارب الدول المتقدمة في مجال الثقافة وإنشاء بنى تحتية ثقافية حديثة تواكب التطور الحاصل في العالم وعقد اتفاقيات ثقافية مع الدول المتقدمة في هذا المجال وإرسال بعثات ثقافية للدراسة فيها وإجراء المهرجانات والمسابقات الثــــــــــــــقافية وتكريم المتميزين من المثقفين والكتاب والفنانين وإنشاء مؤسسات ثقـــــــــــافية ودور نشر حديثة تأخذ على عاتقها إصدار مطبوعات ومجلات جديدة تعني بحضارة العراق  وتاريخه وثقافته ورموزه الثقافية والأدبية والفنية والاهتمام وبمرافق البلاد السياحية والاثارية وما أكثرها في بلادنا, ان مثل هذه الأمور وغيرها كفيلة بتطور الثقافة  في العراق والسير بها على طريق الإبداع والنجاح والتطور.

 


مشاهدات 48
الكاتب سامي الزبيدي
أضيف 2024/09/16 - 10:48 PM
آخر تحديث 2024/09/17 - 12:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 254 الشهر 6815 الكلي 9995437
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/9/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير