الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في أي مجتمع نعيش؟

بواسطة azzaman

نهاية تاريخ العراق (2)

في أي مجتمع نعيش؟

منقذ داغر

 

أواصل رحلة سبر غور المجتمع العراقي للأجابة عن السؤال المحوري لهذه السلسلة: ما هو السر وراء هذه الفوضى التي يعيشها العراقيون سياسياً،وأقتصادياً،وفكرياً وحتى عسكرياً؟ الأجابة عن هذا السؤال قد تفتح لنا بوابة كبرى للأجابة على تساؤل آخر طالما تسائل عنه العراقيون، وغير العراقيين الا وهو:متى تنتهي هذه الفوضى؟ومتى تتحسن أحوال العراق؟ للأجابة عن هذه الأسئلة وكثير مما يتولد عنها من أسئلةٍ أخرى،علينا أولاً أن نفهم طبيعة المجتمع العراقي وكيفية تفاعله مع الزلزالَين اللذان ضرباه في بداية الألفية الثالثة (الأحتلال والتكنولوجيا). سبق وأوضحت في كتابي الأخير مع زميلتي البروفسوره كيلفاند (ثقافة التصلب:منظور جديد لفهم المجتمع العراقي) أن المجتمع العراقي هو من أشد المجتمعات في العالم تصلباً. بمعنى أن الفرد العراقي (لأسباب تاريخية وجغرافية وسياسية وأقتصادية ودينية وديموغرافية ) تعرض لكم هائل من الضغوط الأجتماعية التي جعلته يفقد فردانيته ويضطر معها للأعتماد على شبكات متعددة من العلاقات والأنتماءات الأجتماعية التي لم تجد مؤسسة عُلوية وعابرة للشبكات والجماعات (كالدولة ومؤسساتها) قادرة على ربطها معاً. هذه الضغوط صلّبت الشخصية العراقية وأفقدتها مرونتها. ونظراً لظروف الفوضى والقلق الأمني على مدار عقود طويلة لم تبدأ فقط مع الأحتلال الأخير للعراق،أضطر العراقي للتشدد في كثير من معاييره الأجتماعية التي يعتقد أنها قد توفر له الأمان والأطمئنان من الفوضى.لذا بات العراقي (لا أقصد الجميع) مغالياً في قبليته، وتدينه، وطائفيته، وطقوسه، وحبه وكرهه، وفرحه وحزنه.

مجموعة مستقلة

بات العراقي يطلق النار في الفرح، ويشجو في الحزن. أغانيه مليئة بالقتل والنار والتكسير، ولغته مليئة بالعنف والاستعارة والتبرير.يضرب رأسه «بالقامة» حينما يبكي،ويتعوذ من الشيطان حينما يضحك. صار العراقي شكاكاً الى الدرجة التي جعلته أقل شعب في العالم يثق بالآخر الغريب أذ أن أقل من واحد من كل عشر عراقيين أجاب أنه يثق بالآخر في آخر أستطلاعات الرأي العام الذي أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث قبل أسبوعين!

ولكي نفهم أبعاد هذا التشتت الذي قاد للتصلب الأجتماعي في العراق،أطرح عليكم سؤالاً بسيطاً: في أي مجتمع تعيش حالياً؟ ستتوزع الأجابات غالباً على عدة مستويات كلية وجزئية. فمثلاً كثيرون يمكن أن يقولوا أننا في مجتمع عراقي أعتماداً على مفهوم المجتمع-الدولة.

آخرون يمكن أن يقولوا أننا في مجتمع أسلامي،أو شيعي،أو سني أعتماداً على مفهوم المجتمع-الآيدلوجيا. مجموعة ثالثة قد تقول لك أنهم يعيشون في مجتمع كوردي أو عربي.آخرون يمكن أن يقولوا لك أننا نعيش في مجتمع عشائري.لا بل أنك قد تجد من يقول أنه مواطن عالمي أو أنه يعيش في مجتمع أفتراضي.

أن هذا يعكس مدى تعدد شبكات العلاقات الأجتماعية وحاجتها الى قوة تجسيرية. كما أنها تعكس خطأ المفهوم الشائع،ليس فقط عند العراقيين، بأن المجتمع يعني مجموعات بشرية متجانسة. والحقيقة أن كلمة مجتمع في جذرها اللغوي في العربية أو اللاتينية تعني «جمع المختلفين وليس المتجانسين». أن أصل كلمة مجتمع SOCIETY   الأنكليزية هو SOCIUS في اللاتينية والتي تعني الحليف اللاروماني.

أما في العربية فأن جذر الكلمة هي «جمع» والتي تعني بحسب أبن منظور في لسان العرب (جمع الشيء عن تفرقه...أو جُمع من ههنا وههنا).

أعتماداً على هذا المفهوم،فأن المجتمعات هي تجمعات(كونفدرالية) للبشر أن صح التعبير.

وأن ما يجعل البشر يجتمعون هو أدراكهم للحاجة الوظيفية للأجتماع ببعضهم من خلال شـــــــــــكات من العلاقات الأجتماعية (سواءً يصيغة مجموعات عرقية أو دينية أو عشائرية أو وطنية).

فالأنسان في النهاية حيوان أجتماعي،وليس مجتمعي social not societal كما يقول مايكل مان  Michael Mann .أي أنه يميل للأجتماع بالآخرين لبلوغ أهداف مشتركة وليس لتكوين مجتمعات كلية.

هذا يعني ان الفرد ليس مجرد لبنة في بناء كلي كما يريد البعض أقناعنا،بل هو ذرة من مجموعة ذرات متحركة ومتفاعلة مع بعضها البعض.

عوامل خارجية

هذا التفاعل يُنشىء بالتبعية والضرورة علاقات قوة تؤثر في بعضها البعض فأذا أختلت علاقات القوة هذه بسبب عوامل خارجية أو داخلية -كما حصل في زلزالَي الأحتلال والتكنولوجيا- اللذان ذكرناهما،فأن ذلك سيقود الى فوضى لا تستقر حتى تستقر تلك الذرات على منظومات جديدة من علاقات القوة. من هنا فأن أندثار جماعات(أو أفراد) معينة وبروز أخرى،وأختلال المعايير الطبقية،وتغير القيم الفردية والمعايير الجماعية أنما هي مظاهر طبيعية جداً في ظل أنتهاء معادلات القوة الأجتماعية السابقة وحلول جديدة محلها.

أن بروز ما يعتقده البعض من العشيرة على حساب الدولة،و الطائفة على حساب الوطن، والمحبس على حساب الرباط،والشروكي على حساب التكريتي، والأنفلات على حساب الألتزام، ماهي الا تجسيد واقعي لتغير علاقات القوة في المجتمع العراقي وبغض النظر عن أي تقييم قيمي لصحة و خطأ ، أو واقعية وكذب هذه المظاهر.

الثابت أن هناك تبدلات وتغيرات كبرى حدثت -وما زالت تحدث- خلال العقدين الماضيَين تنذر بنهاية عراق عرفناه وقدوم عراق لا نعرفه. وبما أن العرب تقول «المرء عدو لما يجهل» فلا غرو أن معظم العراقيين يشعرون بالقلق مما هو آت ويتسائلون متى يستقر العراق؟

أقول سيستقر متى ما تشكلت وأستقرت العلاقات الأجتماعية والأقتصادية والفكرية والعسكرية وهو ما سأتناوله في قادم المقالات.

 

 

 


مشاهدات 44
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/09/16 - 10:47 PM
آخر تحديث 2024/09/17 - 12:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 253 الشهر 6814 الكلي 9995436
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/9/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير