فضائح يوم القيامة
هادي جلو مرعي
يتحدث الناس في شؤونهم جميعها، وسواء كانت معاملاتهم تجارية، أو عن تعايشهم مع بعضهم، وفي علاقاتهم البينية، وهم في كل ذلك يتسابقون لتأكيد حضورهم وتأثيرهم، ومايسمى مصالحهم وحاجاتهم، ومايرونه حقا لهم في المال والعمل والسكن والزرع والضرع، وهم يعلمون الطريقة التي يصلون بها الى غاياتهم في ذلك كله، لكنهم يحارون في الطريقة المثلى لتلقي النهايات، وإستقبال المآلات التي يمكن أن يأولوا إليها، وماينتظرهم بعد الموت والغياب البعيد عن أنظار من عايشهم في الدنيا، وحين يندثر الجسد تحت التراب، وتحلق الأرواح في الفضاء المجهول، ويالها من حيرة وغربة للفكر حين لايدرك مبتغاه وهو المعول عليه، فلا نظر في العيون يجدي، ولا إبحار في العقول يهدي، وتبقى أذهان الناس أسيرة لتأويلات وتفسيرات متناقضة عجيبة وغريبة، وكثير منها يمكن أن يوضع في خانة الخرافات التي تستهوي الناس، وتثير دهشتهم وخوفهم، وربما إستأنسوا بها، وقضوا الليالي يلوكون بها كما يلوكون طعامهم.
قيل إن واعظا كان يتحدث في جمع من البسطاء في قرية، وكان يقول لهم: إن الله يسلط يوم القيامة الحيوانات على الذين كانوا يضاجعونها في الدنيا، فنادى رجل طاعن من أقصى المجلس: ضعنا علوج بحلوك المطايا.. أي أننا لكثرة العض سنكون مثل العلكة التي يمضغها الحمار كناية عن كونه يضاجع الحمير لفترة طويلة، ولعلها مأساة مضحكة حين يكون يوم القيامة مسرحا للفضائح، فكم من ناسك ومتعبد كان يغطي أفعال السوء بالنسك والزهد والتقوى الزائفة، وكم من طاعم للفقراء وأمواله حرام، وكم من متلون في الدنيا كان يظهر لك شيئا من المودة، ويطعنك في ظهرك مئات الطعنات، وكم من سارق وقاتل ومرتش ونهاب وهاب ومدعي الشرف والخلق والدين ومنافق سيظهرون جميعا على حقيقتهم ويطالعهم الناس، وكم من حاكم جائر ومسؤول فاسد يعبده الناس ويمجدونه وهو من أهل النار فكأن الفضيحة ليست مختصة بالحاكم والمسؤول الفاسدين بل بالأتباع الذين يرون بأم أعينهم، أو يسمعون من ثقات ويقرأون، ثم يدافعون عن زعاماتهم الفاسدة والظالمة، وكم من حاكم ظالم والملايين يتبعونه ويترحمون عليه في بلدان مختلفة من العالم، وقد ملأ الزنازين من المعارضين وعذبهم ومات منهم الكثير بفعل التعذيب القاسي والمرض والإهمال، وربما أعدمهم بالرصاص، أو شنقهم بالحبال، أو وضعهم في أقبية مظلمة، وتركهم عرضة للرعب والموت والخوف والمرض القاتل.
يوم القيامة سينكشف للجميع زيفنا وألاعيبنا ونذالتنا وخستنا وسقوطنا وإنهيار أخلاقنا وجرينا وراء الأموال وكم غدرنا وكذبنا وشهدنا الزور وإنتهكنا الأعراض وسرقنا وإفترينا وإتهمنا المحصنات الغافلات كما في قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ.
فضائح يوم القيامة ستكون متاحة للعرض، وسببا في عذاب الخلق الذين إنحرفوا عن مسار الحق وسلكوا مسالك الشيطان.