الحسين يتألّق على جبين الدهر
صابرين الكاتب
وأنا في العاشرة من العمر كنت أشارك صديقات المنطقة في الذهاب الى المجالس الحسينية التي تقام أيام المحرم من كل عام لكني لم أكن أدرك حينها لماذا تقام هذه المجالس او ماهي الأسباب التي تدفع الناس لإقامة العزاء على حدث تاريخي مر عليه ألفا وأربع مئة عام وإقامة الشعائر كرفع الرايات على سطوح المنازل وفي الشوارع ولبس السواد وأعداد الطعام بكميات كبيره لتصل الى كل بيت عراقي دون استثناء, حدث لم تكن طقوسه تقف عند طائفة دون اخرى بل كانت ولا تزال تشترك فيها كل الطوائف والقوميات التي يتكون منها المجتمع العراقي ، طقوس تأخذنا لزمان غير زمانا نستشعر من خلالها حقبة من الزمن لم نعاصرها ,تساؤلات كثيرة راودتني آنذاك لم أجد لها إجابات شافية إلا عندما كبرت وتكررت امامي هذه الصور والمشاهد التي اثارت فضولي , صور فهمت من خالها أن هناك حدث كبير وراء كل تلك الشعائر وشخصية عظيمة قدمت نفسها قربانا من اجل تقويم الامة الاسلامية والحفاظ عليها من البدع والانحرافات التي ظهرت في العصر الأموي انه الامام الحسين (ع ) ، شعائر ورثناها جيل بعد جيل وحرصنا على إقامتها أينما كنا سواء في العراق أو في أي بلد آخر عربيا كان أو أجنبي ليستمر خلودها الى يومنا هذا ويتسع مداها شرقا وغربا جنوبا وشمالا. لم يخرج الحسين (ع) من اجل جاه او منصب دنوي بل خرج من اجل مبادئ سامية وإعلاء كلمة الحق أراد ان يؤصل معالم مدرسة جده رسول الله التي رسمها القرآن ،دروس وعبر كانت نتاج هذه الثورة تعلمنا منها الصبر على البلاء و كيف يكون الوفاء بمعناه الحقيقي وفاء للأهل والأصحاب خطب ومواعظ زلزلت عروش الطغاة وأضعفتهم رغم القوة والعدد وغيرت قناعات الكثير من قادتهم ليتحولوا من أعداء الى مناصرين ،قيم مبادئ رسمت بدماء الاحرار نجدها واضحة في تضحية الحسين(ع) بنفسه وبأهل بيته واصحابه من اجل الحق وردع الباطل سار بالركب وهو على علم ويقين كامل انه سيقتل وستسبى عياله لكنه أراد من تضحيته هذه ان يعيد للامة الإسلامية الثقة بنفسها وحفظها من الضياع أراد ان يزرع صوتا مدويا يبقى مدى الدهر، ان استذكار الحسين وإقامة الشعائر الى يومنا هذا لم يكن لمجرد انه سبط الرسول الأعظم او انه امتداد النبوة فقط بل هو استذكار لمبادئ عظمية تجسدت برفض الظلم بكل اشكاله واقعه كهذه بدأت بمقارعة الظلم وانتهت بالجود بالنفس والأهل والأصحاب تستحق أن تخلد وتكون مرجعا لكبار القادة والرؤساء ومنبرا نهتدي به في هذه الحياة من خلال تفعيل الدور الحقيقي لكل فرد في المجتمع دون أن نردد عبارة الندم والحسرة (يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما) وكأن الوقت قد فات فنصرة الحسين لا تقف عند حدود الثورة والمعركة التي قادها بل هي في كيفية تطبيق المبادئ والقيم التي ضحى من اجلها .