الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن ظاهرة الاستجداء

بواسطة azzaman

عن ظاهرة الاستجداء

محمد الكرخي

 

حتى هذه اللحظة، لا يزال المجتمع العراقي بكافة مؤسساته الحكومية والأهلية غير قادر على رعاية آلاف -بل مئات الآلاف- الفقراء والمعوزين الذين ينتشرون في طول البلاد وعرضها، إما بحثاً عن أي عمل -مهما كان في أي ظرف جوي وفي أي وقت من اليوم وبصرف النظر عن القدرة الجسدية للباحث عن العمل- أو استجداءً من الناس وأصحاب المحال وافتراش الأرصفة والساحات تحت ظل شجرة عطشى أو بظل جدار بائس أو مزخرف.والحديث عن حال آلاف -بل مئات الآلاف- العمال والسواق والكسبة وأصحاب البسطات، ممن يعملون في ظروف قاسية قد لا تختلف في مستوى قساوتها عن ظروف العمل في القرون الوسطى، ربما يعد الحديث عن الحال المزري لهؤلاء قبال حال الأوائل وفي ظل ثقافتنا العالمة والشعبية المعاصرة، ربما يعد الحديث عن هؤلاء مجرد تضييع لوقت المسؤولين عن تسيير شؤون البلاد والأربعة وأربعين مليون عبد عراقي.

كما ولا بد من التذكير بأن الأوائل ليسوا ذكوراً فقط، وليسوا من الفئة متوسطة العمر القادرة على العمل وحسب، وإنما هم مراهقون وأطفال وشيوخ وعجائز ونساء بمختلف الأعمار والأشكال. أي بمعنى؛ أنهم عينة اجتماعية شاملة أو هم يشكلون مجتمعاً متكاملاً وموازٍ للمجتمع العراقي.

جهات اعلامية

عندما تتناول الجهات الإعلامية قضية “الفقراء المشردين” في شوارع عراقنا العظيم جداً، تتناولها بشيء من السطحية بنَفَسٍ تحريضي على هؤلاء المساكين، وتقدمهم وكأنهم هم مشكلة من مشاكل المدينة العراقية، في حين أن العكس هو الصحيح، إذ لو كانت مدينتنا العراقية مدينة متحضرة حقاً، لكانت مدينة مزدهرة بمراكز الإيواء والدعم النفسي والعلمي والاقتصادي لأبنائها ممن جاروا على أنفسهم أو جار الزمان عليهم. كيف يمكن للمدينة أن تزدهر حضارياً، وهي تجهل قيمة “العدل”؟ كثيراً ما يسلط الإعلام العراقي الضوء على أخبار من قبيل: “الشرطة تعثر على كذا مليون دينار -وأحياناً يتجاوز المبلغ المليار- في محل إقامة المشرد فلان في المنطقة الفلانية”. يقدم الإعلام صورة عن “الفقير المستجدي” للرأي العام فحواها: “إنه إنسان جشع، وأن الاستجداء مجرد مهنة تدر الربح على أصحابها” .لكن الإعلام العراقي لم يبحث -على حد علمي- في أسباب انتشار هذه الظاهرة، ولم يحاول إثارة النقاش ووضع الحلول لها، ولم يسلط الضوء على قضية غاية في الأهمية تتلخص في “هدر كرامة الإنسان المستجدي”.

إن للاستجداء جذور ثقافية ضاربة في وعينا ولا وعينا الجمعي العراقي -والعربي والإسلامي-. إن فعل “الاستجداء” سلوك ملازم للمدينة العراقية، وهو نتاج الثقافة العائلية القروسطية؛ وسوء توزيع الثروات؛ وعدم تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم القانونية والمهنية والأخلاقية؛ وتخلف المجتمع اقتصادياً.

 


مشاهدات 126
الكاتب محمد الكرخي
أضيف 2024/08/18 - 5:45 PM
آخر تحديث 2024/08/22 - 3:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 306 الشهر 9309 الكلي 9984853
الوقت الآن
الخميس 2024/8/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير