الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جومان هي الأجمل في أربيل وجبل سكران يجعل المتسلّق ينزل مثل السكران (3ـ 3)

بواسطة azzaman

الرحلة الأخيرة

جومان هي الأجمل في أربيل وجبل سكران يجعل المتسلّق  ينزل مثل السكران (3ـ 3)

 

جومان -  حمدي العطار

الاستقالة الضرورية والاضطرارية

أتخذت قرارا اتمنى ان يكون صائبا ! هذه هي رحلتي الاخيرة مع فريق لاماسو الرائع! بسبب ان وضعي الصحي لا يساعدني على خوض المزيد من المغامرات الصعبة على الرغم ما توفره تلك المغامرات من متعة المعرفة ولذة الاكتشاف! اشكر للخبير الجيولوجي «مثنى عبد الستار مهندس ومخطط تلك الرحلات وهو الذي علمني كيف اتعامل مع اثار العراق وتراثه وكيف اتحدى الطبيعة المتوحشة (الجبال والكهوف والغابات والصحراء) كما اشكر شقيقه الصديق الحارث الداعم دائما لي في مجال الكتابة في ادب الرحلات وكذلك كتاباتي النقدية، واتوجه بالشكر الى الرسام والانسان الطيب (صلاح الارجوان) الشخص الذي يتحمل غضب وزعل كل اعضاء فريق لاماسو ويستقبلها بإبتسامته الساحرة! اما الشكر الخاص الى (ملهمي) الذي علمني ان ارى الاشياء والامكنة والجمال بمشاعري وليس بعيوني والذي حرم هو من نعمة البصر ولكن وهبه الله البصيرة وقوة الذكاء والارادة والتحدي ليكون افضل منا في اقتحام المواقع الصعبة لنتعلم منه مفاهيم كثيرة واهمها ان الانسان مهما فقد من الاشياء يمكن ان يعوضها بقدرات خارقة اذا كان يملك روحا شفافة  وقلب طيب وعقلية متفتحة مثل مصطفى ، اليك صديقي مصطفى !

سوف اهدي كتابي الجديد «اكتشاف العراق من جديد» الذي سيحتوي رحلات  مع فريق (بالعطلة) و فريق (وين) وفريق اسماء الشالجي وفريق» دشفري «وفريق «لاماسو « فضلا عن رحلاتي منفردا الى كل الاثار والاماكن التراثية والسياحة الطبيعية وثقافة المكان في محافظات العراق الجنوبية والفرات الاوسط والمدن في المنطقة الغربية فضلا عن محافظات ومدن اقليم كردستان! وهي قد تغطي 75بالمئة من المواقع الاثرية ويمكن لو بقيت مع استاذ «مثنى عبد الستار «فلن نصل الى 100بالمئة مهما طال الزمن لإن العراق غني بهذه الكنوز الاثرية!

سرد قصصي

ساتفرغ لإكمال  هذا الكتاب «استكشاف العراق من جديد / وكتابين عن النقد السرد القصصي ونقد الروايات العراقية/ وكتاب رابع عن رحلاتي الى خارج العراق/ والانشغال مع (نادي ادب الرحلات) الذي سوف نستضيف فيه كل رحالة مبدع ليتحدث عن تجربته الإبداعية  حول رحلاته التي تحولت الى  وثيقة ادبية ، وسيكون لنا استضافة في وقت قريب للصديق الاستاذ «مثنى عبد  الستار» ليحدثنا بشكل عميق عن كنوز العراق الاثرية والتراثية والتاريخية والسياحية .وأكيد فريق لاماسو سوف يشرفنا بحضور هذه الجلسة المثيرة! شكرا لكم فريق لاماسو كنتم عائلتي الثانية! ونتمنى ان نلتقي في مجالات اخرى فالدنيا صغيرة!

ولم نكن في اليوم الثالث  في احسن حالتنا ، وتتنزعني قوتان قوة جسدية تعتاتبني على التعب والجهد المبذول في مثل هذه الجولات التي لا تنتهي الا في ساعات متأخرة من الليل ! وقوة روحية تشجعني على الاستمرار والتفاعل لأن المعرفة تستحق التضحية! الرحلات هذه المرة متخصصة للامكنة المتوحشة  (الجبال والكهوف والوديان والغابات )البعيدة عن مراكز المدن (جومان وحاج عمران) لكن استاذ مثنى لا يهمه التعب فهو يبلغنا ونحن في اشد حالات الارهاق والتعب قائلا (غدا يوم حافل وهناك مفاجأة) ومفاجأت مثنى كلها من النوع الثقيل ، معناها نتحضر الى الاصعب! اما انا فهو يخصني بحديث خاص قائلا(غدا هو يومك ) ستحصل على (السبق الصحفي) لأنه المكان او الموقع الذي سنصل اليه لم يصل اليه احد من قبل – يقصد شركات السياحة وكذلك المجموعات الاخرى التي تهتم بالاثار والتراث- تحضر لسبق صحفي !!

ايقونة فريق لاماسو

كانت سيارات الدفع الرباعي تقلنا من مركز مدينة جومان متوجهين الى جبل (سكران) ساعة من الزمن لم تر عيني الا الاخضرار الذي تسير السيارة في وسط شوارع ضيقة تحيطها الاشجار من الجانبين، الاشجار كذلك تلون الجبال ، الاخت «نسرين» تقول لي: اشرح لمصطفى (البصير)- وهو ابن الخبير الجيولوجي مثنى – اشرح له ما تراه من جمال الطبيعة وسحرها! وانا اتحدث مع مصطفى متحمسا هامسا في أذنه :ـ

تلونت المياه بلون الشجر والمراجيح تجعل ارجل الفتيات والصبيان تلامس المياه ونسمات الهواء البارد يتسلل من النوافذ، انا عاجز عن الوصف ولن أتمالك شعوري في قدرتي على ايصال اصل الصورة الى مصطفى  ولكنه بذكاءه الحاد ورؤيته الثاقبة شعر بالحيرة التي تنتابني فقال بهدوء (انا ارى كل هذا الجمال الطبيعي الخلاق) قلت مع نفسي: مصطفى يرى وهو البصير كيف يحدث ذلك؟ وكأنه يسمع حديثي مع نفسي ليكمل كلامه موضحا « ارى كل شيء بإحساسي واسمع خرير الماء واتخيل تدفقه بين الصخور، وصوت النسيم  يعزف لي مقطوعة ك مقطوعة موسيقة جميلة تصلني ، اشعر بوجود الجمال ويسعدني في أنكم ترون هذه الاشياء الجميلة وأنا اشعر بها ايضا» قادني موقفه ان اسأله :كيف تمكنت من تحمل هذا الظلام وانتقلت الى رؤية اشياء من دون نعمة البصر؟ رد علي سريعا : ابي  جعلني ارى الاشياء من خلال مشاعره وان اعيش لحظات سعادة واستوعب المشهد الجميل من خلال ما يراه ويشعر به! وانت عندما تتحدث بصدق معي اشعر بالاشياء الجميلة وكأنني اشاهدها مثلك بالضبط!» فعلا مصطفى شخصية استثنائية تستحق الشكر والأشادة هو لا يستدر العطف والشفقة بل التقدير والاعجاب ، يعيش التحدي يكمل دراسته الجامعية بتفوق ،اختار تخصص التاريخ لتكون دراسته لها علاقة بموهبته الانتقادية للاحداث والاوضاع! مغامر في كل تفاصيل حياته لذلك هو يمارس كل النشاطات السباحة والتسلق والطيران الحر والقفز المظلي لا يهاب او يخاف من المجازفة بل هو يتفوق علينا ويجعلنا نخجل من ضعفنا البشري وقلة حيلتنا وكأنه يقول لنا نحن المتكاسلين الذين لا نصل دائما الى قمة الاشياء لنقطف لذة الانتصار وثمرة المتعة الناضجة (انتم لا تريدون ان ترون ما اراه من الجمال والعظمة اخاف انتم العميان!)

الثلج موجود في الصيف

لم يكن هدف فريق لاماسو تسلق جبل سكران كأي هاوي لرياضة التسلق فحسب بل كان التحدي هو الوصول الى ابعد من ذلك الوصول الى الكهوف الثلجية التي تقع خلف جبل سكران ويطلق عليها (مصيف پرژه) وتنعي الكلمة بالعربية (الماء المتدفق) اما سبب تسمية الجبل بكلمة (سكران) فلم نتوصل الى معلومة مفيدة ومحددة لهذه التسمية ولكن عند نزول كل متسلق من جبل سكران ينزل يضحك بالنشوة وغير متوازن من شدة التعب والجهد وسعيد بما شاهده وكأنه (سكران) !

لم يعكر صفو هذا الجمال الطبيعي ألا  رداءة الطرق غير المعبدة التي توصل الزائرين الى نقطة تتوقف فيها وسائل النقل ليقطع المتسلق المسافة مشيا على الاقدام! وتعد جومان من اجمل مناطق كردستان وهي تقع على الحدود الايرانية واكيد دفعت ثمنا غاليا لهذا الموقع الخطير ! ورغم كل صعوبات الوصول الى قمة جبل سكران الا ان الازدحام كان شديدا على مصيف پرژه !ونجح فريق لاماسو في الوصول الى قمة الجبل والى الكهوف الثلجية لمصيف پرژه!

ملتقى ومنفى

ونحن نغادر جبل سكران وهي المنطقة الحدودية المحاذية لإيران كنا نرى بوضوح رابية حرس الحدود الايرانية ومركز القوات العراقية المركزية في الجانب العراقي ونقطة المرابطة لقوات الاقليم – البشمركة- وشأن المدن الحدودية فهي ملتقى للقوافل العابرة.

 والثقافات الوافدة التي تبحث عن الماء والزرع وهي مقرات للحاميات المرابطة وزادا للحيوانات ! كما إنها منفى لكل اصحاب الاصوات العالية الذين يرفضون كل أنواع الاحتلال والانظمة الديكتاتورية ومن هنا كان الجبل – جبل سكران- مقرا لنضال الشعب الكردي! وحينما انطلقت الحرب العراقية الايرانية كانت قرية سكران التي يطلق عليها الان قرية سكران التراثية والتي قام فريق لاماسو قد قصدها وهو اول فريق معرفي وسياحي يصل الى هذه القرية التي تحولت الى ساحة للمعارك وصارت بيوتها ملاجي للجنود بعد رحيل اهل القرية لأنها ارض حرام! زرنا هذه القرية والتقطنا صورا لتلك البيوت ـالملاجئ التي كانت تغطيها الثلوج في فصل الشتاء وتصورنا كم هي الحروب تجعلنا نصل الى اماكن لا يمكن الوصول اليها ابدا! مع هذا اصر الاستاذ مثنى ان يصل اليها فريق لاماسو!

مصيف خوشكان

الان انتقلت لي عدوى الاحساس المرهف بالمكان مثل «مصطفى» وهذا الاحساس يجعل عندما اريد ان اتأمل عميقا بالمشهد الجميل (أغمض عيني) فأرى النهر يتحول الى نبع في الالوان المتداخلة ، وتتحول همهمات الشلال الى موسيقى خفية تسري في نفسي ايقاعا ،فلم يعد يهمني أن أعرف مدى أرتفاع او عمق الماء، بل يركز شعوري بالحيوية ومصير الناس تتغير بالمياه وكما يقولون (النهر سلطان)!

في هذا المصيف اكلنا وشربنا ورقصنا الدبكات الكردية والجوبي العربي فكانت فعلا استراحة المغامر!

الخاتمة

كانت هذه التجربة والمغامرة الاخيرة مع فريق لاماسو ، وكان فيها تحدي كبير اثبت ان فريق لاماسو لا يوجد له نضير داخل العراق ومع اني (رحالة) ومتخصص في اصدار 6 كتب عن الادب الرحلات لكن ما كتبت في هذا المجال مع فريق لاماسو وبخبرة وتخطيط الجيولوجي الخبير مثنى يعد بحد ذاته ذو قيمة ابداعية كبيرة وعظيمة، فلو لا هذا الرجل لماوصلت الى تلك الاماكن النائية والمتوحشة والبعيدة عن مراكز المدن ووجود السكاني فأنا اكتسبت المعرفة وتمتعت باللذة وعرفت التأمل فالسفر من دون تأمل لا نكتسب منه الا الاجهاد والتعب، ارى الفرحة والسعادة في عيون فريق لاماسو وهم يحققون النصر والتحدي للوصول الى الكهوف الثلجية في شهر اب، ف مصيف پرژه يوجد فيه الثلج على مدار السنة وهو ما يغري كل المصطافين من اقليم كردستان والمحافظات العراقية ان تزور هذا المرفق السياحي كما تجذب الاجانب لزيارة هذا الجبل العجيب! شكرا لفريق لاماسو فردا فردا كما بودي ان اشكر الدليل السياحي الذي رافقنا طيلة هذا الرحلة المثيرة وهو (بيشه وا) وما بذله من جهد كبير لتوفير كل اللوجستك من اجل ان تكون الرحلة ناجحة كما قدمنا للاعلام الكردستاني عبر اجراء لقاءات تلفزيونية في جبل سكران فتحية له!

وفي الختام أن أفضل نصيحة أقدمها لكل رحالة وهو يسافر إلى مثل هذه» الأماكن المتوحشة»

أن ينسى نفسه أعماله وشواغله، ولا يأخذ معه أورقا وأقلاما وكتبا، وأن يترك نفسه للطبيعة البكر الرائعة، ويحاول أن يستمتع بلا هموم ولا تفكير ولا لهاث وراء المعلومة !

انتهت


مشاهدات 42
أضيف 2024/08/17 - 4:04 PM
آخر تحديث 2024/08/18 - 5:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 84 الشهر 7303 الكلي 9982847
الوقت الآن
الأحد 2024/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير