الجيل الأخير

ماهر نصرت

      لقد قامت حياة الأجيال التي تقع مواليدها بين ستينيات القرن الماضي نزولاً إلى مواليد الثلاثينيات والأربعينات من الذين مازال لديهم انفاس في صدورهم أي من الذين مازال لهم نصيب في الحياة ولم يدركهم الاجل المحتوم قامت على أساس طبائع طيبة تشوبها المودة والإخلاص ، فتقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية الموروثة من الماضي الجميل كانت تسير فيما بينهم على أساس من المحبة والتآلف والرحمة ، وترى تبادل الزيارات والمودة والتعارف بين سكنة أهل الحي الواحد لاتنقطع على الدوام واذا أصيبت احدى العوائل بمصيبة يتسابق اهل الحي لمساعدة تلك العائلة بالجهد او بالمال ولا يهدأ لهم بال الا بعد ان يدخل الاستقرار والامان والطمأنينة الى بيت تلك العائلة المنكوبة ..... أما اليوم فقد ذهبت تلك الطبائع وصار افراد الحي الواحد غرباء لاتربط بعضهم ببعض صلة فقد ابتعد الجار عن جاره على الرغم من طول الفترة التي مرت على جيرتهم وصارت التحية بينهم عند صدفة اللقاء يعتريها الجفاء والرغبة في الرحيل والتباعد عن الاخر ، أما الزيارات التي تتم بينهم في الاعياد وتبادل صواني الشموع في الزكريا وطقوس المحيا والمولد النبوي وغيرها قد انقرضت من أحيائنا هي الأخرى ويبدو ان الأجيال القادمة من اولادنا واولاد اولادنا من عديمي الخبرة ستعيش بجهلها لأنواع النظم الاجتماعية الجميلة التي ورثناها من آبائنا الأولين وتسعى تلك الأجيال وراء المال على الدوام لصعوبة الظروف المعيشية بسبب قلة الاعمال والوظائف من جهة وتأثر البلاد والعباد بزخرف الحضارة الغربية التكنولوجية الجديدة من جهة أخرى التي لاتضع نصب أعينها سوى السعي وراء المال والتفاخر والكبرياء  وبناء شخصية الإنسان الجديد بروح الأنانية وحب النفس وليذهب الآخرين الى الجحيم ، أن اعادة قولبة مجتمعاتنا الى سلوكها وعهدها القديم يحتاج الى توعية متواصلة من الآباء أولاً ومن هيئات التعليم في المدارس ومن الاذاعات المحلية ومن المربين أومن شيوخ المساجد لكي لاتدخل مجتمعاتنا في علاقاتها الى حالة من الجفاء والعداء وعدم تقبل الآخر بل ان تكون العلاقات مبنية على اساس المحبة والسلام والتسامح والله المعين على ذلك .