المفارقات الفلسطينية

مصطفى حمزة المرسومي

طالما كانت القضية الفلسطينية زاخرةً بالدروس والعبر والمفاهيم.  فمن جهة هي قد ألغت الفوارق الطبقية، الجميع يشترك بالمعاناة ذاتها، والموت المجاني للجميع. وفي الوقت ذاته، الصمود هو عنوانها الدائم. فلا فرق بين اسماعيل هنية واسماعيل الغول. كلاهما اسماعيل، الاول هو أحد صنَّاع الحدث، والاخر ناقلٌ له، ولكن كلاهما تساوى في النهاية، وهي الموت غيلة على أيدي الكيان الصهيوني. فالعدو أعمى تجاه الفلسطينيين، لا يفرق بينهم كما هم لا يتمايزون فيما بينهم، جميعهم “ احمد الزعتر” الذي قد سافرت غيومه وخبأته جبال فلسطين. وجميعهم “سرحان” بعدما شرب قهوة الصباح وقتله صاروخ اسرائيلي. العدو رغم امتلاكه افضل الاسلحة وأدّق الصواريخ الموجهة حيث تبلغ نسبة الخطأ فيها اقل من نصف المتر، الا أن هذه الصواريخ الدقيقة ترتكب مجازراً بالمدنيين والابرياء، فهي قد صُمِّمت لتكون موجهةً ضد أي هدف فلسطيني، أيا كان ضدهم، احمد ياسين أم حمزة الدحدوح. بالرغم من ضيق مساحة فلسطين عامةً، وغزة خاصةً، الا أن الفلسطينيين استطاعوا جعل العالم يدور حول غزة، لا أن يدوروا هم بقضيتهم حول العالم، وهذا ليس بالامر اليسير، فالعدو يمتلك الجيوش والاعلام والامكانيات الضخمة جميعها، في حين أن فلسطين لا تملك سوى الصبر والمقاومة. الوطن عند الفلسطينيين هو العالم كله، فقد تنقلوا في جميع عواصم الدنيا، كما يقول محمود درويش” وأبحثُ عن حدود أصابعي، فأرى العواصم كلها زبدا.. هو أحمد الكوني في هذا الصفيح الضيق المتمزق الحالم”، وفي الوقت ذاته، فأنهم يرون  فلسطين العالم، ولا شيء يساوي بالحرف والمعنى حدودها الجغرافية الصغيرة “آه يا جرحي المكابر.. وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر.. إنني العاشق والارض حبيبة”. ومن غرائب الامور إن ما يربط الانسان  بأي شيء في هذه الدنيا هي التفاصيل الصغيرة، ربما ذكريات طفولته حيث اللعب واللهو، او ذكريات الحب الاول، وطعام الامهات، الحياة العادية الهادئة كأي شعب في العالم. ولكن ما يربط الفلسطينيين هو النضال والصبر، لا شيء في ذاكرة الفلسطيني غير الارض والقتال.. “في يوم حرية.. يا أيها الولد المكرّس للندى، قاوِمْ!”..