الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن إرتفاع معدّلات الطلاق

بواسطة azzaman

عن إرتفاع معدّلات الطلاق

محمد الكرخي

 

بحسب الجهات المختصة، فإن معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة قد ارتفعت. ولأن الأسرة «مقدسة» في ثقافتنا العراقية، أخذت الجهات المعنية -من قريب وبعيد يميناً ويساراً- تقترح وتضع الحلول للحد من معدلات الطلاق.

وأهم حلول جماعة اليمين: تشريع قوانين تتعلق بحضانة الزوجة لأطفالها، بحيث تصبح الحضانة محدد للزوجة المطلقة إن هي رغبت بالزواج بعد طلاقها؛ والإكثار من تثقيف المجتمع دينياً وتربية النساء تربية دينية.

أما أهم حلول جماعة اليسار: تشريع قوانين منصفة للزوجة المطلقة تتعلق بالحضانة والنفقة؛ وتمكين المرأة وتحريرها.

تقريباً، أغلب ما يدور في الإعلام العراقي وما يُثقف له في الإعلام المكتوب والمرئي بخصوص قضايا «المرأة العراقية»، لا يتناول مشكلة أو بالأحرى مشكلات المرأة بشيء من الواقعية. إنه يتناول مشكلات المرأة العراقية بخطاب موجه ابتداء وانتهاء بالمرأة، وينطلق من مبدأ جوهري سلبي أو إيجابي في خطابه حول قضايا المرأة، فاليمينيون ينظرون إلى المرأة وكأنها «ذات كيد عظيم»، واليساريون ينظرون إلى المرأة وكأنها «ملاك طاهر».

وفي رأيي، أن كلا المبدأين غير دقيقين. ذلك، أن المرأة العراقية قبل أن تكون عراقية وقبل أن تكون امرأة، هي كائن بشري يشترك مع الرجل في حاجاته الأولية، وبعد ذلك يصبح هذا الكائن «امرأة» ومن ثم يتصف بهوية سياسية هي الهوية «العراقية».

إن المرأة قبل أن تكون زوجة، هي ابنة وتلميذة وموظفة، إنها تمر بتجارب ومراحل تربوية تجعلها إما زوجة صالحة طيبة أو زوجة خبيثة غير مسؤولة. أي أن فشل امرأة ما في الزواج، قد يتحمل جزءً منه هو ذات المنظومة التربوية التي تربت المرأة -قبل أن تصبح زوجة- تحت جناحيها.

شؤون خاصة

كما أن الجهات المسؤولة عن تربية المرأة ورعايتها قبل الزواج، لا تنفك عنها وتتركها في حال سبيلها بعد الزواج، بل إنها تزداد تدخلاً في أبسط شؤونها الخاصة. ولو كانت المرأة مسؤولة وغير اتكالية في تنشئتها، لما سمحت بتدخل أحد في حياتها.  فضلاً عما تقدم، فإن العلاقة الزوجية بين الزوجين تتأسس منذ بدايتها على «التغالب»، وافتراض المرأة وأهلها؛ أنها قادرة على أن تترك زوجها متى شاءت في حال كانت صاحبة عمل ما، أما الزوج فتسيطر عليه فكرة «أنه قادر على التعدد متى شاء»، التعدد بالقانون والشرع أو التعدد بالخيانة، لا يهم.

وهنالك نساء غير صالحات للزواج بالفطرة، إنهن حتى وإن تلقين الرعاية السليمة والتربية القويمة، فإنهن يفشلن في الزواج ورعاية الأسرة. يكن غير صالحات إما لميول نفسية فطرية هدامة، أو بسبب الجهل الذي يفتح باب الخراب واسعاً للزوجة، ابتداء بالتبذير والقذارة وانتهاء بالخيانة الزوجية والقتل.

وللرجل دور كبير في ارتفاع نسب الطلاق، ذلك أن ثقافتنا العالمة والشعبية تزق في رأس الرجل منذ طفولته مواصفات المرأة المستقبلية التي ستكون «حلاله»، إنها يجب أن تكون جميلة ونظيفة ومطيعة ومتعاونة وصابرة وطباخة ماهرة ومبجلة للأستاذ زوجها. وكل ما عليه هو أن «يستر» عليها وينقذها من مصير «العنوسة» الذي ينتظرها إن لم تتزوج، وإن لم يجد ما يصرفه عليها، فعليها أن تتحمل وتحمد الله على نعمة «الستر».

وعندما يتزوج الرجل ويصبح أمام الأمر الواقع، يكتشف أنه تزوج امرأة لا تختلف عنه إلا في الجنس، أما طرق التفكير وعادات العيش فهو وهي سواء. من هنا، يبدأ الرجل بالتقليل من شأن زوجته ومن ثم تشتعل نيران المشاكل بينهما.

 إن ثقافتنا العامة، لا تعيب على الرجل علاقاته الجنسية خارج إطار الزواج، بل بالعكس، إنها تنظر إليه بعين الاحترام إن هو مارسها.

أما بالنسبة للمرأة، فإن هذا السلوك يقدح في شرفها وشرف أسرتها إن هي مارسته [إن التربية على بغض الممارسة الجنسية، والنظر باحتقار لدور المرأة في الممارسة الجنسية، مما يؤثر سلباً في وعي ولاوعي الرجل والمرأة بعد الزواج ونظرة أحدهما إلى الآخر]، وهذا المبدأ الثقافي واحد من الأسباب التي تجبر نسبة كبيرة من النساء [بالخصوص القرويات وأغلب بنات العوائل المحافظة من الطبقة دون الوسطى والفقيرة] على الزواج للتحرر من سطوة الأهل وحرمانهم إياها للممارسة الجنسية خارج إطار الزواج. (علينا الأخذ بنظر الاعتبار، النظرة الفقهية الدينية للثيب والبكر، وعلاقتها بالتحرر النسبي للمرأة، في مجتمع لا يزال بعقلية قروسطية وعلاقات انتاج ريعية).

ولا يخفى على أحد، تأثير وسائل الإعلام والفن والدعاية في  نفسية الإنسان العراقي، إلا أنه تأثير سلبي أكثر منه إيجابي، لأنه ببساطة مجرد محاكاة لحياة وشخوص وثقافات مختلفة عن واقع الإنسان العراقي. ولأن الإنسان العراقي بطبعه إنسان «واهم» وأناني، فإنه مما يستحيل عليه تكوين أسرة مستقرة.

فضلاً عما تقدم، فإن ارتفاع نسب الطلاق في العراق سببه يرجع لتقدم العراق خطوة نحو التحضر، لكن وفق ظروفه وإمكانياته الاجتماعية-الاقتصادية. إنه إن كانت المرأة في أوروبا قادرة على التعبير عن رغباتها وميولها الجنسية بحرية تامة مكفولة من قبل ذات المجتمع الأوروبي، فإن المرأة العراقية لا تستطيع ذلك إلا بعد الزواج ومن ثم الطلاق.


مشاهدات 103
الكاتب محمد الكرخي
أضيف 2024/08/03 - 12:55 AM
آخر تحديث 2024/08/07 - 12:09 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 200 الشهر 2630 الكلي 9978174
الوقت الآن
الأربعاء 2024/8/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير