الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سعيد قزاز الذي واجه الطبيعة..  الاهالي يقابلون بيان الوزير بالبكاء والعويل

بواسطة azzaman

سعيد قزاز الذي واجه الطبيعة..  الاهالي يقابلون بيان الوزير بالبكاء والعويل

امير كريم النائلي الشمري

 

في عام 1954 دهم بغداد فيضان خطير ادخل الرعب والهلع في نفوس اهلها والقلق بين صفوف حكومتها . اذ صادف ذلك العام ارتفاع في مناسيب نهر دجله بلغ 75’35 م فوق سطح البحر وسرعة كبيرة في الجريان بسبب التساقط الغزيز للامطار وسرعة الرياح مع تساقط كميات كبيرة من الثلوج على الجبال الحدودية الايرانية. وقد اتخذت الحكومة العراقية اجراءات كثيرة تحسباً لذلك اذ احدثت اربع كسرات في شمال السدة والتي ادت لغرق 90 % من القرى والاراضي الزراعية التابعة للعاصمة وفي وقت لاحق احدث كسرات في نهر ديالى قبل وصوله لمجراه في نهر دجلة ، وكذلك قامت الحكومة بإفراغ الدوائر الحكومية والبلاط الملكي ودائرة الطابو من الوثائق والسجلات 

وقد برز في تلك المحنة وزير الداخلية سعيد قزاز الذي عرف بمهنيته وجديته في جميع المناصب التي تولاها ، لم يدخر جهداً ، اذ قضى تلك الليالي حتى الساعة الثالثة  و الرابعة صباحاً مع المرابطين على احكام السداد من الشرطة والجيش والاهالي ، والانتقال داخل وخارج بغداد ومن مواقفة انقاذه  موظفي الزراعة في الزعفرانية بعد ان حاصرتهم المياه وادركهم الغرق  حيث قام بارسال زوارق بخارية باقصى سرعة

وفي يومي 29-30 من شهر اذار 1954 عُقد اجتماع في بناية مديرية الري العامة. برئاسة رئيس الوزراء فاضل الجمالي ومجموعة كبيرة من الوزراء والمسؤولين وقد اتخذ المجتمعون قراراً بإخلاء جانب الرصافة من الاهالي اخلاءً جزئياً، وتم نقل المرضى والاطفال وكبار السن الى جانب الكرخ كاجراء احترازي وعلى الرغم من موافقة اغلب الحاضرين في الاجتماع  الا ان وزير الداخلية سعيد قزاز ابدى رفضه ومعارضته لقرار الاخلاء مبرراً ذلك بإسباب منها 

ان مع الاعلان عن قرار التخلية يؤدي الى حالة من الفوضى وقد تحصل عمليات نهب وسلب ، وان بغداد لا تحتوي الا على جسرين ربما يؤدي اي حادث الى خروج احدهما عن الخدمة فضلاً عن حوادث المرور وان التخلية تؤدي الى اهمال عملية ادامة السداد والحفاظ عليها بعد ان يغيب العاملون عنها مع ان المواجهة هي الاسلم والاجدر مع احتمال فشل التخلية .

وبعد مناقشات طويلة استقر الرأي على عدم اخلاء جانب الرصافة وعلى مضاعفة جهود العناية بالسداد من جميع الاطراف والاستمرار بنقل الاطنان من التراب

وفي الليلة الاخيرة قضى جميع المسؤولين وآلآلاف من رجال الشرطة والجيش والاهالي  ليلتهم عند السد بعمل دؤوب بنقل التراب من جانب الكرخ الى جانب الرصافة لحماية العاصمة من خطر الفيضان

وفي تلك الليلة اعلن وزير الداخلية ببيان اذيع من الراديو بنبرات حزينة ونفس كسيرة  قابله الناس بالبكاء والعويل جاء فيه «انتشرت في الساعة الماضية اخبار مقلقة للسكان حول حدوث بعض الكسرات في سداد مدينة بغداد ، وان هذه الاخبار لاصحة لها، ولم تحدث اي كسرة بفضل الله حتى هذه الساعة ، لا اريد ان اقلل من اهمية الخطر المحدق بمدينة بغداد هذه الليلة، ولكن اود ان اطمئن مواطني الاعزاء بان كل الجهود الممكنة التي  في وسع البشر لدرء الاخطار والاضرار عن المدينة قد اتخذت وان ابناءكم المخلصين من افراد الجيش والشرطة ومن منتسبي الدوائر المسؤولة باذلين اقصى جهودهم للمحافظة على العاصمة وتخفيف الضغط على سدادها، من واجب كل مواطن ان يبادر الى مساعدة اقرب زمرة اليه بكل الوسائل الممكنة وان يحصل على المعلومات الصحيحة من الدوائر الرسمية المختصة ، فعلينا جميعاً ان نجتاز هذه المرحلة العسيرة بسلام وسنجتازها ان شاء الله وقانا الله من كل شر وحفظ بلادنا العزيزة بعنايته».

 وفي ذلك الوقت كان وزير الداخلية يراقب الشائعات المغرضة لبث الفوضى بسبب مخاوفة من العناصر المخربة التي تتربص لاثارة الفوضى

لقد زال خطر الفيضان

واشاد الملك فيصل الثاني بهمة المسؤولين والمتطوعين ووعد بان الحكومة ستعمل على التخفيف من وطأة الضائقة عن المتضررين. وتكريم المشاركين بمنحهم نوط الانقاذ.

 واهتمت وزارة الجمالي الثانية بالمنكوبين باصدار قرارات بتعويضهم وارسال المساعدات اليهم. ومنح القوات الامنية المشاركة من الجيش والشرطة اكرامية نصف راتب شهري. ومحاسبة افراد الشرطة المتهاونين ،فقررت مديرية شرطة لواء بغداد بكتابها المرقم (13377) في 17 ايار 1954 بتوجيه عقوبة التوبيخ للمفوضين علي محسن وزين العابدين وسحب اليد عن المفوض (حربي) بسبب تلاعبه بكميات التمر المخصصة لمتكوبي الفيضان

ان فيضان بغداد 1954 بما احدثه من ارهاق ورعب شديد في نفوس سكان العاصمة الا انه زاد من اواصر الالفة وتحمل المسؤولية على الصعيدين الشعبي والحكومي .

وقد اشاد الكثير بكفاءة وزير الداخلية سعيد قزاز والعديد من اعضاء مجلس النواب بتحمله المسؤولية الشخــــصية

والجدير بالذكر ان وزير الداخلية سعيد قزاز  الذي ولد في مدينة السليمانية عام 1904 .

 اعدم شنقاً في 20 ايلول عام 1959 

 في المحكمة العسكرية العليا التي تشكلت بعد ثورة 14تموز 1958 لمحاكمة رموز النظام الملكي

وعندما وصل خبر مفاده قيام زوجته بالتوسط لتخفيف الحكم عنه أرسل رسالة لها مضمونها (عليك الاستعداد لتكوني أرملة وأنك طالق إذا تورطت بالسعي لتخفيف الحكم )

وقبل صدور حكم الإعدام بحقه في محكمة المهداوي قال

«أنا أعرف أنكم ستصدرون حكم الإعدام عليّ، ولكنني عندما سأصعد المشنقة سأرى تحت قدمي أناسا لا يستحقون الحياة»

والرحمة والغفران على روحه.


مشاهدات 52
الكاتب امير كريم النائلي الشمري
أضيف 2024/07/27 - 1:04 AM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 308 الشهر 11671 الكلي 9373743
الوقت الآن
السبت 2024/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير