الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المشهد السياسي وديناميكية الإستراتيجية الفاعلة

بواسطة azzaman

المشهد السياسي وديناميكية الإستراتيجية الفاعلة

 

نادية الجدوع

 

شهد هذا العام تحولات جيوسياسية وصراعات متصاعدة وكوارث مأساوية، جعلته عامًا مضطربًا وحافلًا بالأحداث بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط. وبينما نتأمل في الأحداث المضطربة لعام 2024 ، فمن المهم أن نفكر في ما قد يحمله العام المقبل لمنطقة الشرق الأوسط.

 من التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط ومدى استدامتها: تخفيض التصعيد أو لتصفير الأزمات: قد يُستثنَى من حالة الصراع، وربما للمرة الأولى منذ قرون، الشرق الأوسط الذي يشهد سياسة السعي لتصفير المشاكل المزمنة، وزيادة فرص تسوية النزاعات المشتعلة به. تلك الحالة الصراعية التي كانت سمة مركزية في المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط، إذاً، وبرغم موجات التوتر المتوقع يتم من خلالها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والنأي بالدّين عن الصراعات السياسية بين الدول، ما يسمح بخفض المشكلات والمخاطر بين دول الإقليم وزيادة وتيرة الازدهار والتطور لدول المنطقة. مما قد يؤثر على مسـتقبل تسـوية الصراعات في المنطلقة وحــدوث انعطافات إيجابية للحد منها أو حلها.

والسعي للتعاون والاتصال لطالما كان النهج التقليدي للأمن مبنياً على فكرة الدفاع، وذلك بتحديد الأعداء المحتملين، وتقييم التهديدات، وخلق تدابير لمنعهم أو الانتقام منهم. ولكن التحول الحالي في الشرق الأوسط يقوم على التعاون لتقليل احتمالية وجود تهديد أمني بدلاً من محاولات منع هجوم متوقع، فالتعاون بين الدول يحد من خطورة الجهات الفاعلة ويقلل من الحروب

كذلك تزايد مساحات استقلال دول الإقليم عن الغرب: الذي كان يحتكر القوة في النظام الدولي حتى وقت قريب، إذ تشهد الهيمنة الغربية التي سادت طوال القرنين الماضيين تراجعاً مضطرداً بداية من الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. وتتزايد الآن المواجهات السياسية والعسكرية والاقتصادية والحضارية على قمة النظام الدولي.

مؤسسات دولية

ولكن، يمكن أن يحد من استدامة تلك التحولات أن النظام الدولي، كما تستشرف بعض الدراسات، ربما سيكون بلا اتجاه، وفوضويّاً، ومتقلباً، حيث يتم تجاهل القواعد والمؤسسات الدولية إلى حد كبير من قبل القوى الكبرى وبعض اللاعبين الإقليميين وستعاني دول متقدمة تباطؤاً في النمو الاقتصادي، وستتسع الانقسامات المجتمعية، ويعم الشلل السياسي، وسيتم تجاهل الكثير من التحديات العالمية، مثل تغيُّر المناخ. ونتيجة لذلك ربما سينقسم العالم إلى تكتلات عدة، اقتصادية وأمنية متفاوتة الحجم والقوة، تتمحور حول الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وقوى إقليمية. مما قد يعود بالمنطقة بالصراعات من جديد، فالدول التي لديها فائض في القوى العسكرية والتكنولوجية والمعرفية، لن تسمح بسهولة، حتى ولو أصابها العطب اقتصادياً، بأن تنقل إليها بؤر الصراعات أو أن تفقد سيطرتها على العالم بسهولة.كما أنه بحسب تقرير المخاطر العالمية من المحتمل أن يواجه العالم، ومن ضمنه بعض بلدان الشرق الأوسط، على مدى السنوات العشر القادمة الكثير من المخاطر

ولأول مرة في تاريخها تعايش الأمة العربية حالة الفوضى القائمة بمختلف تداخلاتها، ويمثل المشهد السوري والعراقي واليمني والليبي صورة مزرية لحالها، فبرغم أشكال الفوضى التي عانتها قارات ودول على مدى تاريخها الطويل، لكننا نشهد هذه الفوضى بهذه الصورة لأول مرة، ولذلك فهي طارئة على حضارتنا وقيمنا، وعلى القوى السياسية والاجتماعية، وكذلك على القضية الفلسطينية التي أضحت خارج السياق العربي للمرة الأولى أيضاً، وبذلك فهي لحظات تاريخية عابرة للزمن، لا تلبث أن تشهد  تغيرات كبيرة ومفاجئة للانتقال إلى مربعات مختلفة تقود إلى حالة جديدة من التوازن السياسي والاستقرار وتراجع فكر الإرهاب والتطرف والفوضى لصالح الفكر العربي الإسلامي الأصيل المعتدل، وعندها سوف تتغير معادلات السياسات الإقليمية والدولية شكلاً ومضموناً.

والمشهد السياسي إدراك الديناميكية السياسية الفاعلة، وخارطة اللاعبين وعلاقاتهم، والإمكانات التي يملكها كل منهم لتطوير الواقع السياسي في المستقبل القريب، فعلى صعيد الديناميكية السياسية الفاعلة تشكل حالة الفوضى والتدخلات العسكرية والسياسية المتعددة الأطراف والمسميات والأهداف، الأدوات الأكثر ديناميكية في رسم المشهد، كما توازيها تحركات سياسية على شكل دول منفردة أحياناً وأحلاف أحياناً اخرى، وربما على شكل مجموعات عمل، حيث تلعب القوى السياسية والاجتماعية في المنطقة دوراً حيوياً في التأثير على طبيعة المشهد وتركيبته المعقدة، فيما تشكل العوامل الإقليمية والدولية إطاراً صعباً لإمكانية وصول المفاعيل المحلية إلى أي هدف، باستثناء ما يتقاطع منها مع مصالح عدد من الفاعلين الإقليميين والدوليين.

وتظهر هنا مجموعتان أساسيتان من الفاعلين المحليين، الأولى ترتبط بعقلية التغيير السياسي والاستقلال والحرية والديمقراطية، والثانية ترتبط بعقلية المحافظة على الوضع القائم في تحقيق المصالح النخبوية للحكم مع علاقاتها الإقليمية والدولية، في مشهد متعدد المشارب والعوامل ومتغير التحالفات.

ويقع العالم العربي برمته تحت ضغط هذه المتغيرات الجارية، وبتأثيراتها المتعددة، لتقع القضية الفلسطينية في دائرة الجمود في ظل حكومة إسرائيلية لا تؤمن أصلاً بالسلام مع الفلسطينيين، ولا تؤمن حتى بتطبيق ما توقع عليه، بينما يقف العالم العربي منقسماً فكرياً وسياسياً إزاء ذلك، بين من يريد التخلص من القضية الفلسطينية وبين من يعتقد أنه لا بد من إقامة دولة فلسطينية وانسحاب إسرائيل بطروحات متعددة.

عشاق الحسين

في ظل هذا المشهد اندلعت الأزمة الخليجية، ما وفر فرصة لاستثمارها لصالح برنامجين أساسيين: الأول: تمكين القوى الإقليمية والكبرى من إحداث تغيير في خارطة القوى السياسية في المنطقة، والثاني: تمكين إسرائيل من تحقيق الوضع الاستراتيجي المريح للاندماج في المنطقة وتحجيم أهمية القضية الفلسطينية ودورها.

لذلك فإن المشهد السياسي القائم في المنطقة مشهد متحرك يحمل الكثير من الفرص والتحديات لمختلف الأطراف، ولا يتمتع فيه أي طرف بالسيادة والتحكم على وجه الإجمال، ولذلك فإن الأفق الاستراتيجي والأبعاد الاستراتيجية للمشهد لا تزال تحاول تشكيل روافع لها، كلٌّ من موقفه ووفق برنامجه.

العوامل المؤثرة وأهم الأطراف ذات التأثير المباشر

ثمة عوامل وأطراف تعد الأكثر تأثيراً في هذا المشهد ستكون محط التحليل والتوقع، منها

الأطراف المحلية: وتتشكل من عدة مكونات، مما عرف بالثورة والثورة المضادة، وتيار الإسلام السياسي المعتدل والتيار التغريبي، وتيار الإصلاح والديمقراطية وتيار المحافظة على مكاسب النخب الحاكمة وعلاقاتها الخارجية، والتيار الليبرالي بتنوعاته.والأطراف الإقليمية: حيث تبدو كل من إيران وتركيا الأكثر فاعلية في عموم المشهد بتفاوت، ويعد أي تقارب بينهما فرصة للتوصل إلى رؤية مصلحية اقتصادية وأمنية وفكرية وسياسية لهما، قد تتقاطع مع أطراف محلية مهمة، خاصة أن إيران ربما تكون أهم الفاعلين في سوريا والعراق واليمن على وجه التحديد، وكذلك في معادلة التوازن الاستراتيجي في القضية الفلسطينية، أخذاً بعين الاعتبار الإشكال الطائفي وأبعاده في السياسة الخارجية الإيرانية وتداعياته على صورتها ومستقبلها.

و الأطراف الدولية: انطلاقاً من اعتقادها بأن ظرف المنطقة ومعطياته لم تنضج بشكل كافٍ لتحقيق أهدافها ومصالحها، وتحاول الأطراف الدولية منفردة، وأحياناً مجتمعة

القضية الفلسطينية.

الاتجاهات المستقبلية والمحددات العامة للمشهد القادم وتحولاته

يعد الاتجاه نحو الاستمرار في الصراع رهاناً على تغير تحالفات، وتراجع أطراف واستنزاف أطراف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب عند الوصول إلى طاولة الحوار، كما هو الحال في ليبيا وفلسطين واليمن وسوريا، ويعد من أبرز الاتجاهات للمشهد السياسي بأدواته العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى الاتجاه نحو تدخلات إقليمية تتقاسم الأدوار والمصالح لتحقيق أكبر قدر من مصالح كل منها مع توفير بيئة إقليمية جديدة ربما تُرشح لها وتعمل عليها كل من تركيا وإيران.

وقدرة المجتمع الدولي على التوصل إلى رؤية مشتركة حقيقية للمشهد بعيداً عن عجز الأمم المتحدة.وكل من تركيا وإيران مدعومة من بعض دول عربية على الوصول إلى رؤية تفرضها على القوى المحلية وعلى المجتمع الدولي.والأطراف الفلسطينية على إعادة الحضور والقوة للقضية الفلسطينية بما يزيد من عوامل الدفع باتجاه إنهاء الفوضى وحالة عدم الاستقرار.

وختاماً، يمكن القول بأنه تم اللعب كثيراً على نظرية الاستنزاف لغالبية الأطراف، وهي تسعى للوصول إلى نهاية سريعة لحل سياسي في كل الأقطار بسبب تداعيات هذا الاستنزاف الاقتصادي والأمني عليها، لكن أيّاً منها لا يملك حتى اللحظة كامل الرؤية ولا الشجاعة ولا الأدوات الكافية ولا الضمانات اللازمة لتحقيق أهدافه أو بعضٍ منها، لذلك تستخدم مسارات الحلول السياسية لتحسين أوضاع اللاعبين وزيادة حصتهم ودورهم المستقبلي.

بينما نتطلع إلى عام 2025  فإنه من الأهمية بمنطقة الشرق الاوسط أن يوضع التأهب للكوارث  والاستجابة لها والتعافي منها عاملا رئيسيا في تحديد قدراتها للصمود  والاستقرار  في المستقبل على رأس جدول الأعمال الإقليمي، وذلك لضمان ترجمة الدروس الصعبة المستفادة من العام الماضي إلى استراتيجيات مستدامة  وتمكين ويمكن تنفيذها في المستقبل.

 


مشاهدات 199
الكاتب نادية الجدوع
أضيف 2024/07/27 - 12:55 AM
آخر تحديث 2024/08/31 - 8:04 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 30 الشهر 30 الكلي 9988652
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير