فاتح عبد السلام
أولاً، أراني مضطراً أن أقول، لكي لا تذهب التفاسير اقصى الشمال أو اقصى اليمين، في انّ استقلالية أي بلد تكون في خلوه من القوات الأجنبية على أرضه، مهما كانت الأسباب، الا عبر اتفاقيات الاحلاف الكبرى التي لا ينتمي العراق لها ، بل انه ليس مؤهلاً أصلاً للدخول فيها . لكن معاينة المشهد العراقي المرشح للاشتعال مع الأيام مجددا تستوجب رؤية أخرى، ذلك انّ «الوجود السياسي الحاكم الجديد» في العراق هو أصلاً من نتاج الوجود الذي سبقه، والمتمثل بالقوات الأجنبية أو الامريكية تحديدا في العام 2003.
لنترك جانباً ما يقال في انَّ ضرب أيّ من المصالح الامريكية في العراق عبر المسيرات المتفجرة والصواريخ يجري بتعليمات من إيران التي لا تزال في حالة صراع مع « الشيطان الأكبر»، وانّها لا تزال تعتمد سياسة اللعب بالأدوات البعيدة للحفاظ على الجوهر القريب.
لنقل انَّ الضربات عراقية التخطيط والتنفيذ والتوجيه والاهداف والغايات والاغراض والتمويل، فذلك يصطدم بثلاث حقائق.
الحقيقة الأولى تدعو الى تحليل المبررات المعلنة في انّ الوجود الأمريكي المتمثل بعدد محدود من القوات في قاعدة « عين الأسد» غالباً، انّما يمثل تهديداً للمصالح العراقية التي نحتاج الى تعريفها بالضبط، ومن ثمّ تحديد مَن المُخوّل بالحديث عنها مع واشنطن ،”الحكومة المنتخبة” أم الأيدي الخفية التي تضرب وتهرب.
الحقيقة الثانية، ما حجم المكاسب التي سيحصل عليها العراقيون في الاقتصاد والبناء والتنمية والقوات المسلحة والوضع الأمني في حالة غادر اخر جندي من القوات الامريكية المحدودة البلاد؟ وماذا سيكون وضع العراق إذا فقدت أواصر الصلة بينه وبين القوة الأكبر في العالم، في وقت لا يمتلك البلد عناصر القوة الذاتية الاقتصادية والعسكرية، وانّ البديل الوطني هو تحويل أي علاقة مع القوة الأكبر الى ميدان انتاجي لخدمة المصالح العراقية سنوات طويلة وربما عقودا، ذلك ان البلد نخره الفساد، وانّ ملفات هذا الفساد معلومة للقوة الأكبر وقد تكون ورقة تحرق ما لم يحترق بعد في تنور العراق.
الحقيقة الثالثة، هي انّ استمرار العلاقة على هذا الشكل الانفصامي بين الحكومة ومَن يمثل القوى التي تقرر أن تضرب الامريكان وتنفذ الضربات، من الممكن أن يقوض أيّ جهد دبلوماسي لرسم علاقات جديدة بين بغداد وواشنطن، ولن يكون عاملاً مساعداً فيها، كما يظن بعضهم او يسوّق لذلك بعضهم الآخر. كما انَّ ذلك سيفسح المجال لتغييرات في «قواعد لعبة التهدئة والتوافق» في العراق، ولا أريد عن قصد التفصيل في هذا الحيز المتشعب والخطير.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية