الحسين الخالد
محمد حسين آل ياسين
لم يزل من رؤاكَ طيفٌ يضوعُ
يغمر المقلتين منه خشوعُ
كلَّما غابَ واعدَتْه الليالي
مثلما واعدَتْ سحاباً ربوعُ
فإذا أظلمتْ وغارتْ نجومٌ
جاء بالصبح من سناكَ هزيعُ
لم يزل منك في النشيد ابتكارٌ
وصدى خالدٌ ومعنى بديعُ
فإذا أنتَ ظاعنٌ ومقيمٌ
كلُّ ذكرٍ للراحلين رُجوعُ
لم تزل دمعةُ الفجيعة حرّى
ذلَّ من قال لا تليق الدُّموعُ
كرُمتْ فاستقام من كل عينٍ
سكبتْها على الخدود شفيعُ
لا يعيب الباكين دمعةُ حزنٍ
إنّما العيبُ دمعةٌ وخُنوعُ
فرق أن يستظلَّ في الجفن فجرٌ
واثبُ المرتجى وليلٌ قنوعُ
هل درى سائلٌ نيابةَ ربٍّ
وبكفَّيه ذِلَّةٌ وخُضوعُ
أُنّه لم ينُبْ عن الذِّبح في الطفِّ
وَحيدا وهو البصيرُ السَّميعُ
فلْيعُـــــدً للضُّلوع يسألها الجـو
دَ ويرنـو مـاذا تجـودُ الضُّلوعُ
لم يزل منك حادث مستعادٌ
وحديثٌ على فمٍ مسموعُ
أيُّها الزارعُ الظَّما في الفيافي
كيفَ رفَّتْ في القفر هذي الزروعُ
ومذيلاً سناه فوق الليالي
كان فيها للشمس منه طُلوعُ
ومُسيلاً على الرماحِ دِماه
مورقاً في سنانهنَّ ربيعُ
ومحوطاً بالبغي إذ أنتَ فردٌ
ومحيطاً بالبغي وهو جميعُ
غصنَ زيتونة العطاء وقد طا
بتْ أصولٌ منها فطابتْ فروعُ
سبطَ من شرَّع الشهادةَ في النا
س وفيما بذلتَ كان الشُّروعُ
وابن من قسَّمَ النوازل عدلاً
أنتَ تظما كرهاً وطوعاً يجوعُ
وابنَ من رُوِّعتْ بليلٍ فاقسَم
ستَ لها أن تكون ثأراً يَروعُ
وأخا المشتكي خديعةَ قومٍ
يتلقّاكَ من بَنيهم خَدوعُ
لحظةُ الموت أنجبتْكَ ودرَّتْ
بالدم الحرّ للوليد الضُّروعُ
جهل الدّارعون أنَّ المنايا
رغم أنفِ الرماح هنَّ الدُّروعُ
وبأنَّ النصر الذي يدَّعيه
ألفُ سيفٍ قد يجتنيه صريعُ
وبأن الشّاري بقتلكَ دُنياً
أن هذا القتيل كان يبيعُ
وبأنَّ السِّهام تُردي رضيعاً
ردَّها للرجال نحرٌ رضيعُ
أو يدري المزهوُّ يشمت بالمفــ
جوع عمراً من منكما المفجوعُ
كلَّما أطبق الكرى منه جفناً
أرعبَ الجفنَ إصبعٌ مقطوعُ
وأقضَّتْ مضاجعاً مترفاتٍ
سَحنةُ الفوز ينتضيها ضجيعُ
وأصمّتْ صحيفةٌ أُذُنَ اللَّا
هِينَ تسري بهديها وتذيعُ
وغزا أعيُنَ اللئام من القي
ــــــد على أذرعِ السَّبايا سُطُوعُ
بورك الدهرُ مارداً إنْ أطاع الـ
ــــظلم يوماً فكلُّه لا يُطيعُ
ضمِنَ الخلدُ للشَّهادة نصراً
مُبطِئاً لا يراه نصرٌ سريعُ
لم تكن غيرُ لمحةٍ وتسرَّبـ
ـــــتَ كعطرٍ ملءَ الحياة يشيعُ
فتعالى الى الزمان حسينٌ
إذْ تعالى إلى السماء يسوعُ
فعلـــــى كــــلِّ لحظــــةٍ منه لـونٌ
هـو مـن بعض ما يفيــض النّجيــــعُ
لم تكد تشبع الكواسرُ منه
فبأجيالها إلى الآن جوعُ
إنْ يكن عزٌ نابُها الأولُ اليو
مَ فما عزَّ نابُها المصنوعُ
هي لولا خوفُ الزمان وأهليــــ
ـــــه وما قد يَضر فيها صنيعُ
حُرمَ الذكرُ واسُتبيح الثرى الطهـ
ــــــر ودِيستْ حول الضريح الشموعُ
وإذا نوره المشِع ظلامٌ
وإذا صرحه العظيمُ بقيعُ
فأبى الله أن يُضيِّعَ أجراً
خطّه في كتابه لا يضيعُ
فقضى أن يطول فيه سجودٌ
لعلاهُ وأن يدوم ركوعُ
أن يطوف الحجيج من حول مثوا
هُ حشوداً وأن تحوم الجموعُ
أن يصلّى عليه في الآل خمساً
كل يومٍ فوُدُّه تشريعُ
حسبُه أنَّه ولاءُ النقيضيـــ
ــــــنِ فحبٌّ غالٍ وبُغضُ ولـوعُ
كذباً كان فيه أو كان صدقاً
فالمزكّي في الناس هذا النزوعُ
سرُّه أنْ أَبى انحناءَةَ ضيم
للمقادير رأسُهُ المرفوعُ
فدماه مــــــدى الزمـــــــان حياةٌ
وظماهُ على المدى ينبــوعُ