ملاحظات على قرار محكمة التمييز

غازي فيصل

اصدرت الهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية قرارا برقم (4/الهيئة العامة /2024) في 29/5/2024 عدت فيه قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (102/ اتحادية/2024) في 15/4/2024 معدوما وليس بذي اثار قانونية لأن المحكمة تجاوزت فيه على اختصاص مجلس النواب في تشريع القوانين الاتحادية .هذا ولقد اثار القرار المذكور ضجة كبيرة في الاوساط القانونية وصدرت بشأنه اراء عديدة بعيدة عن الواقع بعد المشرقين ،ومن اجل توضيح الحقائق استبصارا باحكام الدستور والقانون هاكم الملاحظات الآتية :

(1)ان الدعوى التي كانت منظورة امام محكمة التمييز الاتحادية دعوى شخصية طالب فيها أحد القضاة احالته الى التقاعد كون لديه خدمة قانونية بما فيها الخدمة في سلك القضاء تزيد على ثلاثين سنة وذلك بالاستناد الى قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (102/اتحادية/2024) في 15/4/2024 والذي عدل نص المادة (35/رابعا/أ/4) من قانون التقاعد الموحد لسنة 2014 المعدل والذي كان يشترط لأحالة القاضي الى التقاعد ان تكون لديه خدمة في القضاء او الادعاء العام لاتقل عن (30) سنة وجعل المدة المذكورة مطلقة اي لايشترط ان تكون في القضاء او الادعاء العام حصرا ،الا ان لجنة شؤون القضاة واعضاء الادعاء العام ردت طلبه لعدم وجود سند قانوني يدعمه ،فما كان منه إلا أن يستصرخ محكمة التمييز الاتحادية ،وبالنظر لأهمية الموضوع فقد احيل الى الهيئة العامة فيها للفصل فيه.

هذا وبعد التدقيق والتمحيص من لدن الهيئةالعامة المذكورة استبان لها ان المحكمة الاتحادية العليا تجاوزت اختصاصاتها المنصوص عليها في المادة (93) من الدستور ومارست اختصاصا منوطا بمجلس النواب حصرا بموجب المادة (61/اولا) من الدستور ولهذا وصفت القرار المذكور بأنه معدوم والقرار المعدوم لايرتب اثرا وتنزع عنه الصفة القانونية ونضيف الى ذلك انه يصبح بمثابة العمل المادي ويجوز لكل ذي مصلحة ان يدفع بانعدامه ويطلب ازالته سراعا.

وجه الحق

(2) لقد اصابت محكمة التمييز الاتحادية وجه الحق عندما قررت انعدام قرار المحكمة الاتحادية العليا وامتنعت عن تطبيقه في المنازعة المعروضة امامها وقرارها هذا لايرتطم باحكام المادة (94) من الدستور والتي نصت على ان قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة ،لأن صفة البتات والالزام تلحق القرارات التي تصدر منها استعمالا لاختصاصاتها المنصوص عليها في المادة (93) من الدستور ،آما وانها تجاوزت الاختصاصات المذكورة فلاريب ان قرارها يعد معدوما وبالتالي لاتشمله صفة البتات والالزام لأنه يكون قد خسر قيمته القانونية واصبح عملا ماديا عقيما عن إنتاج اثار قانونية .

(3) استندت محكمة التمييز الاتحادية في قرارها الى المادة (12) من قانون التنظيم القضائي لسنة 1979 المعدل والتي قضت بأنها الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة على جميع المحاكم ولكنها لم تكمل النص اذ وردت فيه عبارة(مالم ينص القانون على خلاف ذلك) وهذا يعني انها تمارس الرقابة على محاكم القضاء العادي حسب ولا شأن لها بالقضاء الدستوري والقضاء الاداري والمحاكم الخاصة لأن هناك نصوصا دستورية وقانونية تحدد اختصاصاتها وجهات الطعن باحكامها وعلى هذا فقد أخطأ القائلون بأن محكمة التمييز الاتحادية اصبحت محكمة طعن بالنسبة لقرارات المحكمة الاتحادية العليا ووصية عليها لأنه لاتوجد حسب علمنا محكمة دستورية عليا في دول العالم تخضع قراراتها للطعن .

(4) ان قرار محكمة التمييز الاتحادية قرار صدر في منازعة شخصية ولهذا فأن له حجية نسبية وليست مطلقة ،اي بمعنى ان صفة الانعدام لقرار المحكمة الاتحادية العليا تعلقت بهذه الدعوى ولايمكن اعطاؤها الصفة المطلقة ،اذ تبقى قرارات المحكمة المذكورة باتة وملزمة لكل السلطات العامة في الدولة الا اذا ثبت لدى محكمة التمييز في المنازعات المعروضة في ساحتها انها معدومة لمخالفتها قواعد الاختصاص .

(5) ان قرار محكمة التمييز الاتحادية كان صحيحا ولم يتخط احكام الدستور والقانون وبالتالي لم يغير من الخارطة القضائية في الدولة فلكل محكمة اختصاصاتها التي تمارسها على وفق احكام الدستور والقانون ولهذا نقول للقانونيين الذين اربكوا المشهد القانوني بتصريحاتهم ، لاتقفوا ماليس لكم به علم فلقد كبر مقتا عند الله القول بالجهل .

(6) بقيت لدينا ملاحظة نقولها متأسفين ان قرار محكمة التمييز الاتحادية احتوى على (9) اخطاء لغوية ولعل أكثرها وقعا ان يأتي الاسم بعد حرف الجر مرفوعا كما في عبارة (اكثر من ثلاثون يوما) التي وردت فيه ولهذا نرجو من المحكمة الموقرة ان تعرض قراراتها على مقوم لغوي قبل إصدارها لأن هناك التزاما قانونيا على الجميع بالمحافظة على سلامة اللغة العربية .

 عن مجموعة واتساب