فاتح عبد السلام
دخلنا في الصيف العراقي الملتهب، والتيار الكهربائي يعود على الواجهة الساخنة المثيرة للقلق والتي لم يبرحها أصلا. العراقيون معجونون بالحرارة، حتى أنَّ اغلبية انقلاباتهم العسكرية وأحداثهم السياسية المثيرة وحروبهم لم يجدوا لها زمنا غير الأشهر الأعلى في درجات لهيبها منذ ثورة العشرين في بداية صيف1920 وتلا ذلك لهيب تموز1958وصعقة تموز 1968وحرب الثماني سنوات مع إيران التي اندلعت نهاية صيف1980 ثمّ الطامة الكبرى في غزو الكويت مطلع آب 1990.
فالحرارة جزء من تركيبة العراقيين النفسية والسياسية، ولا يستغربون مصاعبها الحياتية ولهيبها التي يصهر اسفلت الشوارع.
غير انّ تيار الكهرباء بات أساسيا في اية دولة في هذا الزمن، ونحن امام استحقاق يومي في تسيير الدولة شؤون بلد كبير تعداده ثلاثة واربعون مليون نسمة، وليست القضية مقتصرة على التحمل الشخصي للأفراد بالرغم من انه عذاب قلّ مثيله في بقاع الأرض.
العالم يتجه ليجعل الكهرباء بديلا نظيفا للطاقة، لاسيما في النقل بالسيارات والقطارات، في حين لا يزال الحلم في العراق مرتبطا بتحسين علاقة المواطن مع صاحب المولدة في الحي السكني، ولا يزال الحلم يدور في فلك عدم انقطاع هواء المبردة في ساعات الظهيرة التي لا ملجأ للناس فيها حين تنقطع الكهرباء سوى الى السماء داعين الله عزّ وجل ألا يعيد تعذيب العراقيين مرة أخرى بلعنة شديدة الوطأة عليهم كما سلطها عليهم مع ذلك الوزير الكذّاب الذي تعامل مع الملايين معاملة «المطايا» وأخبرهم قبل اكثر من عشر سنوات انّ الكهرباء ستفيض عن الحاجة وسنصدرها بالعملة الصعبة ونغرق دول الجوار بها.
لا صناعة ولا زراعة ولا إنتاجية حقيقية من دون ان يعود العراق الى حالة من الاستقرار النهائي في مجال الطاقة الكهربائية، بشكل منظم، بعيدا عن أجواء الابتزاز والغش والخداع. لا أدري هل كان لقضية الكهرباء نصيب في مباحثات الوفد العراقي الكبير في واشنطن عند اللقاء مع الرئيس بايدن ومسؤولي الإدارة الامريكية أم انَّ هناك تسلسلات اهم في المسائل المشتركة، التي أثبتت الأيام انها غير مشتركة مطلقاً؟
كم يتمنى العراقيون لو يولد لديهم، بدل غثاء السيل السياسي الطافح، حزب سياسي أو تحالف أو تيار اسمه «التيار» ليس له هم سوى انقاذ التيار الكهربائي وليس لغاية تيارية أخرى.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية