الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأطوار الأربع للمجتمعات الشرقية

بواسطة azzaman

الأطوار الأربع للمجتمعات الشرقية

عبد القادر حداد

 

غالبا ما نرى او نقرأ عن امم و دول لامست قمة المجد و الازدهار في شتى مجالات الحياة العمرانية و الاقتصادية و الاجتماعية واستمرت على حالها هذا لأعوام و قرون ، ثم بدأت بالانحدار حتى وصل بعضها لأعمق نقطة في القاع . في الحقيقة ان هذا الانتقال بين الطورين يتخلله أطوار عادة تكون غير ملحوظة فطبائع البشر تركز على النتيجة لا على الرحلة ، و على رد الفعل اكثر من الفعل ، فنلاحظ انهم و عند ذكرهم ووصفهم لاي تحول لشخص او مجتمع ، يختصرون وصف تحوله بعبارة «كيف كان و كيف اصبح» او «كيف اصبح و كيف كان « بعيدا عن التركيز في الحالة التي في المنتصف .

(الطور الاول) هو طور (البناء و التأسيس )  الذي تشهد خلاله المجتمعات و الدول خضة اجتماعية تهز أركانها و تخرجها عن المألوف ، تحرر الفكر و الإبداع ، وترسم آفاق جديدة . ركائز هذا الطور تتمحور حول الاهتمام بتأسيسٍ جيد لاربع جوانب هي ( التعليم) ( الاقتصاد) ( المنظومة الأمنية ) ( الصحة ) ، فكفاءة التعليم و مجانيته  ستنتج جيلا مهذبا واعيا و مثقفا ، مدركا لواقعه و ما يدور حوله ، واضعا تقدم مجتمعه و تطوره فوق كل اعتبار . بناء اقتصادٍ محكم سيجعل من البلاد مكتفية ذاتيا ، لا تساوم و لا تركع لاجل توفير قُوتّها واحتياجاتها الحياتية ، كما انه سيساهم في سرعة انتشارها بين الامم الأخرى ، و يجعلها ركنا اساسياً له شروطه و قواعده التي لا يمكن تجاوزها في اي معادلة عالمية . على المستوى الوطني سيوفر الاقتصاد الجيد المتماسك دخلا جيدا للأفراد ، و سلعا و منتجات يحدد سعرها بما يتناسب مع دخل الفرد ، فلا يكون بحاجة إلى ارتكاب سلوكيات غير مشروعة لاجل الكسب . و بما يتعلق بالمنظومة الأمنية ، فأنها حامية عرين الوطن و أفراده وهي الركيزة المهمة لتوفير عنصر مهم جدا يبنى عليه كل شيء إلا وهو ( الامن)، فبلاد غير آمنة هي بلاد غير مستقرة نافرة للجذب الاستثماري ، يسهل اختراقها وبناء اجندات تخريبية فيها ، لا يشعر الفرد فيها بالارتياح و الاطمئنان على نفسه و ممتلكاته ، ولا يحسب للاعتداء عليها اي حساب . مقياس نجاح هذه المنظومة يرتكز على توافر ثلاث عناصر هم جودة التسليح و عقيدة المقاتل التي يجب ان تكون مبنية على وضع سلامة امن البلد و أفراده فوق اي اعتبارات و حسابات اخرى ، و ان تكون المخول الوحيد لرفع السلاح داخل البلد و تطبيق القانون . جانب الصحة و الخدمات الصحية ، ويشمل المراكز الصحية و الدواء ، اي توافر مستشفيات و دور رعاية صحية ذات كفاءة عالية سواء من ناحية الخدمة المقدمة و الأجهزة الطبية المتوفرة فيها ، اما الدواء فمن الضروري ان يكون متاح لجميع المواطنين و على كافة الطبقات و المستويات ، مع توافر بعض المقدرة على الاقل من جانب الدولة على إنتاجه   محليا ، فكما هو معروف لا يوجد لدى الإنسان اهم من الصحة .

( الطور الثاني ) هو ( الهدوء و الرغبة ) حيث تعيش المجتمعات عقب تعب و جهد الطور الاول نوعا من السكينة و الاعتياد على نمط معين يشبه كثيرا حال المرء العائد إلى بيته بعد عناء يوم طويل من العمل . يبرز خلال هذا الدور جانب اسميه « المفاخرات « ، يتفاخر الفرد بوطنه حد الغلو و يبدأ مؤسسي و بنائي الطور الاول محاولة الانفراد بنسب المجد لأنفسهم ، سرعان ما يبرز احد منهم ليعكر صفو هذا الهدوء و يحاول تصفية خصومه فكما يقال  « الثورة تأكل رجالها .

فكرة وجود

(الطور الثالث) هو طور (الدكتاتور) في هذا الطور تكون السلطة في البلاد قد تمحورت حول شخص واحد لا يحتمل فكرة وجود معارضين لسياساته و توجهاته ، و دائما ما سيستخدم في وصفهم لفظ «خائني الوطن «،  يرى انه من أرسلته السماء لإنقاذ أمته و النهوض بها وانه وحده من يعرف الصالح العام دون غيره . تتماهى الدولة و الشخص الحاكم بصورة تامة وغالبا ما يطبق سيطرته على المنظومة الامنية فهي الرادع و القامع و الغازي أيضا إذا ما امتلك رغبات توسعية . لا ننكر ان هذا الطور له محاسنه ايضا وأبرزها « الاستقرار السياسي « للبلاد و انعدام التجاذبات و الاختلافات والذي يكون احيانا كثيرة نابعا من الخوف لا الرضا . تنشىء حول الدكتاتور زمرة من الأفراد يعتاشون على تمجيده و يتبوئون مناصب عليا في الدولة ، يعيثون في المجتمع خرابا بين سرقات و جرائم إنسانية و كسب غير مشروع و التي في الغالب تكون سرية غير ظاهرة للعيان و بعيدة عن نظر و مسمع الدكتاتور  . تعزل هذه الفئة الدكتاتور عن محيطه و تظهر فقط الصورة الوردية له ، ولأن ثقته العمياء بنفسه تكون قد وصلت إلى جنون عظمة ، يفقد القدرة على السمع و التمعن بما يدور من حديث و اقاويل عن فساد هذه الفئة . من هنا بيدأ المجتمع المتوحد الرصين بالتفتت و الانقسام و تنشأ احقاد وضغائن بين اربعة أصناف هم المستفيد الممانع للتغيير و الراغب بتغيير الوضع و الخائف من البديل و القانع المُسلم ، ومع وصول المجتمع لهذا التصنيف نكون حتميا قد انتقلنا إلى مرحلة اخرى .

الطور الأخير هو ( الرابع ) والذي اسميه ( الضياع ) ، يكون الدكتاتور مع هذا الطور وكما ذكرنا خلال الطور الثالث قد اصبح بمعزل عن المجتمع ، و لاهياً في الحفاظ على سلطته لآخر يوما في عمره ، و تكون زمرة المحيطين به قد امسكوا زمام ادارة الوضع العام . تطفوا على السطح و بدعم من هذه الزمرة المواضيع البائسة و التي يغلب عليها صفة التفاهة و الانحلال الخلقي و الخرافات التي تنسب في الغالب للدين  ، ويتم تصدير نماذج للمجتمع قليلة القيم و المبادىء ، سهلة التسيير ، سطحية الفكر تحاول خلق نوع من الإلهاء للأفراد . تضيع هوية البلد و تبدء جوانبه كالتعليمية و الاقتصادية و العمرانية الخ تعاني من سوء الإدارة و الإهمال ، و يصبح الفرد مهمشا و مغتربا في وطنه . تنشأ فيه جماعات و فرق لا تمت بصلة له إلا في الأوراق الرسمية ، و لا امينة و حريصة عليه إلا من خلال الأهازيج و الشعارات المزيفة.

 

 


مشاهدات 280
الكاتب عبد القادر حداد
أضيف 2024/06/10 - 4:30 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 5:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 306 الشهر 11430 الكلي 9361967
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير