الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العطاءات الحضارية لبغداد التاريخ

بواسطة azzaman

العطاءات الحضارية لبغداد التاريخ

محمد مظفر الادهمي

الجزء الاول

  يعتبر العصر العباسي الاول ،وخصوصا فترة حكم الخلفاء ابو جعفر المنصور وهارون الرشيد والمامون من اهم عهود العطاءات العلمية للحضارة العربية الاسلامية ، حين اهتموا بالعلوم بمختلف فروعها كالطب والصيدلة والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافية  والفلك والاداب والفنون ، وقاموا برعاية العلماء وتشجيعهم ، وقصد بغداد طلاب العلم من كل انحاء العالم بحيث اصبحت اللغة العربية لغة العلوم في العالم ،وترجمت اليها علوم اليونان الاغريق والرومان في الطب والهندسة والفلك ،وانشيء اول مصنع للورق في بغداد عام 795 ميلادية ،بعد ان كان الورق يستورد من الصين، فانتشرت المكتبات ،وكانت اضخمها مكتبة الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور التي تحولت في عهد الخليفتين هارون الرشيد والمامون ،الى خزانة بيت الحكمة الذي اصبح  مركزاً للبحث العلمي والترجمة والتأليف والنسخ والتجليد، وصار لبيت الحكمة دوائر علمية متنوعة لكل منها علماؤها ومترجموها ومشرفون يتولون أمورها المختلفة. . وكان بيت الحكمة يضم غرفًا عديدة ، خُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.

وبفضل هذا الاهتمام من قبل الخليفة هارون الرشيد  تطورت العلوم  الطبية والصيدلة والهندسية والفلكية والجغرافية وغيرها ، واستعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد،  وأنشأ هارون الرشيد أكبر مستشفى في عصره، سماها باسمه "مستشفى الرشيد" في بغداد، ضمت في كادرها أمهر الأطباء، ، وابتكرالعلماء عددا من الاختراعات كالساعة المائية، كما شجع هارون الرشيد الدراسات العقلية والدينية والفنية ،وانتشرت الكتاتيب والمدارس في المساجد و الجوامع وغدا كل شخص ببغداد بامكانه تعلم القراءة والكتابة.

 كما ساهم بيت الحكمة في بغداد بإنقاذ التراث العالمي من الفناء والضياع بجلبه كنوز المعرفة من أنحاء العالم وترجمتها ثم حفظها ونشرها. وقد ساهمت مؤلفات علماء بيت الحكمة في نشأة مراكز ومدارس علمية جديدة في كل من خراسان والري وأصبهان وأذربيجان وما وراء النهر ومصر والشام والأندلس، حيث شجع إنشاء بيت الحكمة دول العالم الإسلامي تأسيس مراكز علمية على غراره.وكان لهذه الحركة العلمية العربية الاسلامية اثرها غي نهضة اوربا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر .

   يقول كوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب : اذا كانت هناك امة نقر باننا مدينون لها بمعرفتنا لعالم الزمن القديم ،فالعرب هم تلك الامة ، لا رهبان القرون الوسطى الذين كانوا يجهلون حتى اسم اليونان. وتقول الباحثة الالمانية زنكريد هونكة في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب ) :ان مراكز الثقافة الاوربية قبل قيام نهضتها كانت عبارة عن ابراج يسكنها امراء اقطاعيون متوحشون يفخرون انهم لا يقرأون . وعند قيام النهضة  لم يكن هناك عالم واحد من بين العلماء في مراكز العلم الاوربية الا ومد يده الى الكنوز العربية يغرف منها ما يشاء 

  واذا ما تناولنا العطاءات العلمية للعرب المسلمين بشكل عام وليس فقط في العصر العباسي ،بمعنى في الاندلس و المغرب العربي  ، فان كتبهم  قد بقيت ترجماتها العلمية المصدر الوحيد تقريبا للتدريس في جامعات اوربا لخمسة او ستة قرون من الزمن ، بل ان كتب ابن سينا في علم الطب كانت تدرس في اوربا حتى اواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، واصبح لقب (روح ابن سينا) يفخر بحمله كل طبيب في اوربا .  كما اطلق الفرنسيون اسم (رازاس) على ابي بكر الرازي الذي اقاموا له نصبا في باحة القاعة الكبرى في مدرسة الطب وعلقوا صورته في قاعة اخرى بشارع سان جرمان .

وأبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي) طبيبٌ وكيميائي وفيلسوف مسلم من علماء العصر الذهبي العباسي ، وصفته سينغريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب «أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق» ، حيث ألف كتاب الحاوي في الطب، الذي كان يضمُّ كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق وظل المرجع الطبي الرئيسي في أوروبا لمدة 400 سنة .

وقد أمضى الرازي  ريعان شبابه في بغداد  مدينة السلام، فدرس الطب في بغداد. وبعد إتمام دراساته الطبية في بغداد، ذهب الرازي إلى مدينة الري في بلاد فارس بدعوة من حاكمها، منصور بن إسحاق، ليتولى إدارة مستشفى الري. ثم عاد ثانية إلى بغداد ليتولى رئاسة المستشفى المعتضدي الجديد، الذي أنشأه الخليفة المعتضد بالله للفترة (279- 289 هـ /892- 902 م).

ومن كتبه كتاب «الأدوية المفردة» الذي يتضمن الوصف الدقيق لتشريح أعضاء الجسم. وهو أول من ابتكر خيوط الجراحة من امعاء الحيوانات ، وصنع المراهم، وله مؤلفات في الصيدلة ساهمت في تقدم علم العقاقير.

  تمت ترجمة كتب الرازي إلى اللغة اللاتينية ولا سيما في الطب والفيزياء والكيمياء كما ترجمت إلى اللغات الأوروبية الحديثة ودُرسَت في الجامعات الأوروبية لا سيما في هولندا حيث كانت كتب الرازي من المراجع الرئيسة في جامعات هولندا حتى القرن السابع عشر. وقد اعيد طباعة كتابه الجدري والحصبة اربع مرات . أما كتابه "المنصوري" فقد طبع لأول مرة في "ميلانو" عام (1481م)، ، وترجمت أجزاء منه إلى الفرنسية والألمانية. وظلت تلك المؤلفات من المراجع الأساسية لدراسة الطب في أوربا حتى القرن  17م، ولا تزال "جامعة برنستون" الأمريكية تحتفظ بكتب الرازي في قاعة من أفخم قاعاتها، أطلق عليها اسمه اعترافًا بفضله ومآثره على علم الطب في العالم أجمع

  واذا ما عدنا الى علماء بغداد الآخرين فان من ابرزهم  محمد بن موسى الخوارزمي الذي عرف بتنوع علومه في الفلك، والرياضيات، والجبر، وعلم الجغرافيا الذي اشتهر به في فترة الخلافة العباسية، وهو من العلماء  الباحثين في بيت الحكمة ببغداد، ، وقد كان كتابه المختصر في حساب الجبر والمقابلة أول كتاب يتناول كيفية حل المعادلات الخطية والتربيعية باللغة العربية، وتمت ترجمة الكثير من أعماله إلى لغات أخرى. ، ويعتبربيت الحكمة المكان الذي شهد إنجاز أغلب الأعمال العلمية للخورازمي، ففي الرياضيات استطاع وضع منهج لحل المعادلات الخطية والتربيعية وكانت أعماله أساساً لما يُعرف بعلم الجبر، ويُعتبر كتاب الجبر والمقابلة أحد أهم الكتب التي ألّفها في مجال الرياضيات، وقد تمت ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر مما أثر بشكل كبير في تقدُم علوم الرياضيات في دول أوروبا.

محمد بن موسى الخوارزمي ، عالم الرياضيات العربي المسلم الذي اوجد علم الجبر، وقام بنقل الأرقام العربية وعلم الرياضيات إلى أوروبا، كما قام الخوارزمي بتطور الجيب وجيب التمام والجداول المثلثية، ولقد كان كتابه الشهير "حساب الجبر والمقابلة" يدرس في الجامعات الأوروبية حتى القرن السادس عشر، كما قام بوصف ستة أنواع أساسية من المعادلات الرياضية، ووضع مفهوم الصفر ونظام المواقع العشرية . وفي عهد المأمون كان له دور مع مجموعة من العلماء في رسم أول خارطة للعالم.

  لم تنحصر مساهمة الخوارزمي العلمية في مجال الرياضيات ، بل ساهم في علم الجغرافيا  فالف كتاب صور الأرض التي  قسّمَها إلى بحار، وجبال، وجزر، وأنهار، ومُدن، ، ثم أفرزها تبعاً للمناخ السائد فيها. وقام الخوارزمي بتصحيح اخطاء  جغرافية وقع فيها العالم اليوناني الشهير  بطليموس، كما تضمن كتابه العديد من الخرائط المرسومة، .

 بالإضافة إلى أنّ الخوارزمي وبأمر من الخليفة المأمون عمل على قياس حجم وسعة الارض، فضلاً عن رسم أول خريطة للعالم وبمساعدة سبعين عالماً جغرافياً .

 وفي علم الفلك ساهم العالِم الخوارزمي في تقديم العديد من الأمور ضمن مجال العلوم الفلكية، حيث قدّم مجموعة متنوعة من الجداول الفلكية وقد أدت ترجمتهاإلى إدخال علوم جديدة في اوربا لم تكن معروفة آنذاك، كما قدّم الخوارزمي أطروحتين وبعض الأعمال الخاصة بجهاز الأسطرلاب؛ فتناولت بعض هذه الأعمال ما يُعرف بالساعة الشمسية.

وهناك العديد من الأعمال الأخرى التي قدّمها الخوارزمي؛ كالمخطوطات التي تتحدث عن تحديد اتجاه القبلة، كتلك المخطوطة الموجودة في إسطنبول والتي تمّ ذكرها في كتاب (الفهرست) متحدّثةً عن الساعات الشمسية أو المزولة الشمسية، كما كتب الخوارزمي كتباً لم تُحفظ لغاية يومنا هذا ولكن ذكرها ابن النديم في كتابه؛ وهما: كتاب التاريخ، وكتاب المزولات، وقد تحدث كلا الكتابين المفقودين عن كيفية صنع واستخدام الأسطرلاب.

أهدى الخوارزمي كتاب الجبر والمقابلة إلى الخليفة المأمون الذي يتناول حلولًا رياضية للقضايا الدينية والعملية، حيث يقول الخوارزمي: «" وقد شجعني ما فضل الله به الامام المأمون على أن ألّفتُ من حساب الجبر والمقابلة كتابا مختصرا حاصرا للطيف الحساب، وجليله لما يلزم الناس من الحاجة اليه في موارثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجاراتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكري الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه.

 

الجزء الثاني

 كان  جابر بن حيان ،خبير الكيمياء في بلاط هارون الرشيد  فكانت كتبه من أهم مصادر الدراسات الكيميائية وأكثرها أثرًا في قيادة الفكر العلمي في اسيا واوربا، وقد انتقلت عدة مصطلحات علمية من أبحاث جابر العربية إلى اللغات الأوروبية . وصفه ابن خلدون في مقدمته بالقول   «إمام المدونين جابر بن حيّان حتى إنهم يخصونه به فيسمونه علم جابر او صنعة جابر». وقال عنه أبو بكر الرازي في «سر الأسرار» :«جابر من أعلام العرب العباقرة وأول رائد للكيمياء»،. وقال عنه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون: "إن جابر بن حيّان هو أول من علّم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء"، وقال عنه العالم الكيميائي الفرنسي مارسيلان بيرتيلو في كتابه (كيمياء القرون الوسطى): "إن لجابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق".

  هاجرت اسرة جابر ابن حيان بن عبد الله الأزدي من اليمن إلى الكوفة، وعمل والده في الكوفة صيدلانياً ،و  كان من المناصريين للعباسيين في ثورتهم ضد الأمويين فقتلوه فهربت أسرته إلى اليمن، حيث نشأ جابر ودرس القرآن والعلوم الأخرى ومارس مهنة والده في الصيدلة . ثم عادت أسرته إلى الكوفة، بعد أن أزاح العباسيون الأمويين، فاصبح  خبير الكيمياء في بلاط الخليفة هارون الرشيد ببغداد كما مارس جابر بن حيان  الطب برعاية  من الخليفة هارون الرشيد.

   كان لابن حيان  الكثير من الأعمال في الكيمياء ، ومن بعض أعماله؛ كتاب الرسائل السبعين، وكتاب التصحيح، فهوأبو الكيمياءالذي وضع أقدم تصنيف منهجي للمواد الكيميائية، وكتب أقدم تعليمات معروفة لاشتقاق المواد غير العضوية بالوسائل الكيميائية  ، لذلك أطلقت عليه العديد من الألقاب، منها "الأستاذ الكبير" و"شيخ الكيميائيين المسلمين" و"أبو الكيمياء". وكذلك لُقِّب علم الكيمياء نسبة إليه .

وقد ترجمت بعض أعماله في الكيمياء إلى اللغة اللاتينية ، وانتشرت على نطاق واسع بين الكيميائيين الأوروبيين في العصور الوسطى.

تمكَّن جابربن حيان من اختراع نوع مضيء من الحبر، ليساعد على قراءة المخطوطات والرسائل في الظلام. كما اخترع نوعاً مضاداً لاحتراق الورق، حيث كتب بهذا الورق كتاب جعفر الصادق الذي وضع في مكتبة بيت  الحكمة ببغداد.

 كما  اكتشف ابن حيان  نوعاً من الطلاء إذا دهن به الحديد يصبح مضاداً للصدأ، وإذا دهنت به الملابس تصبح مضادَّة للبلل بالماء. واكتشف طرقاً لتحضير مركَّبات عديدة، مثل الفولاذ وكربونات الرصاص وكبريتيد الزئبق وحمض الأزوتيك.كان جابر ابن حيان أول من استعملوا الميزان في قياس مقادير المحاليل المستعملة بتجاربه الكيميائية، حيث كانت عنده وحدات قياس خاصة به.

اهتم الخليفة المامون بشكل كبير بعلم الفلك ، فحضي الفلكيون برعايته ومنهم  موسى بن شاكر  الذي  نشأ وتلقى العلم في بغداد ،وهو من كبار المنجمين والفلكيين الذين عاشوا في عصر الخليفة العباسي المأمون في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي،وقد تولى شؤون الفلك في بلاطه ، وكان من المقربين له، كما اشتهر أبناؤه فيما بعد بالعلوم الفلكية والهندسة الميكانيكية.ونالوا رعاية الخليفة المامون.

   انتدب الخليفة المأمون موسى بن شاكر في بعثة إلى منطقة سنجار في العراق لقياس محيط الارض ، وقد جاء هذا القياس مقاربا  لحقيقتها فهو لا يختلف عن قياس المعاصرين حاليا الا قليلا ، كما يعزى اليه والى ابنائه القول بالجاذبية العمودية بين الأجرام السماوية، وهي التي تربط كواكب السماء بعضها ببعض وتجعل الأجسام تقع على الأرض.

وعندما توفي موسى بن شاكر، ترك أولاده الثلاثة صغاراً فرعاهم المأمون، وأدخلهم بيت الحكمة الذي كان يحتوي على مكتبة كبيرة وعلى مرصد فلكي،ومن ابرز مؤلفاتهم كتاب الحيل وهو اول كتاب عربي اسلامي في مجال الميكانيك كمجهود مشترك للاخوة الثلاث ،حيث يعطينا صورة لتقدم علم الميكانيك لدى العرب المسلمين منذ نشاته ،ويحتوي على شروح تفصيلية ورسوم توضيحية بما نسميه اليوم علم الهندسة الميكانيكية المعتمدة على حركة الهواء او السوائل ،  كما قام اولاد شاكربترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية من اليونانية. فأصبحوا من أبرز علماء بيت الحكمة في الرياضيات والفلك والهندسة، وعاصروا خلفاء آخرين بعد المامون.

تقول المؤلفة الألمانية سينغريد هونكه ، في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب ان اولاد موسى قاموا بإيفاد الرسل إلى الإمبراطورية البيزنطية بحثاً عن المخطوطات الفلسفية، والفلكية، والرياضية، والطبية القديمة، ولم يتوانوا عن دفع المبالغ الطائلة لشراء الآثار اليونانية وحملها إلى بيتهم. وكان يعمل في دارهم التي قدمها لهم الخليفة العباسي، فريق كبير من المترجمين من أنحاء البلاد.

ومن الموسوعيين الذين ظهروا في عهد المامون والمعتصم هو الكندي ، الموسوعي في علومه  الذي اشتهر بالفلسفة والفلك والفيزياء والكيمياء والطب والرياضيات والموسيقى .

عاش في البصرة في مطلع حياته ثم انتقل منها إلى بغداد حيث أقبل على العلوم والمعارف لينهل منها في فترة الإنارة العربية على عهد الخليفتين المأمون والمعتصم، ،.وقد أوكل إليه المأمون مهمة الإشراف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية في بيت الحكمة.

والكندي هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي، ولد في الكوفة حين كان والده واليًا عليها، و تلقى علومه الأولية فيها ، ثم انتقل إلى بغداد، حيث حظي بعناية الخليفتين المأمون والمعتصم، وجعله المأمون مشرفًا في بيت الحكمة لترجمة النصوص العلمية والفلسفية اليونانية القديمة. عرف الكندي أيضًا بجمال خطه، حتى اصبح خطاط الخليفة الخاص ، كما اعتبره باحث عصر النهضة الإيطالي جيرولامو كاردانو واحدًا من أعظم العقول الاثنى عشر في العصور الوسطى

   اشتهر  الكندي بجهوده في تعريف العرب المسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة ومحاولته تقريب الفكر الفلسفي اليوناني، وجعله مقبولاً لدى جمهور المسلمين. ومن خلال عمله في بيت الحكمة ببغداد، و ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية الهامة، أدخل الكندي الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية. ويقول المؤرخون انه لولا أعمال الكندي الفلسفية، لما تمكن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من التوصل إلى ما توصلوا إليه. ، لهذا يلقب بـ "أبو الفلسفة العربية" أو "فيلسوف العرب.

ووفقًا لابن النديم فان  الكندي قد كتب على الأقل مائتين وستين مخطوطا، في الهندسة و الفلسفة والطب، و في الفيزياء والفلك والكيمياء وعلم النفس والأخلاقيات وتصنيف المعادن والجواهر

  كان الكندي أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي. فاقترح إضافة الوتر الخامس إإلى العود، وقد وضع الكندي سلمًا موسيقيًا ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من أثنتي عشرة نغمة، وتفوق على الموسيقيين اليونانيين في استخدام الثمن. كما أدرك أيضًا اهمية التأثير العلاجي للموسيقى، وحاول علاج صبي مشلول شللاً رباعيًا بالموسيقى

 من العلماء الذين عاصروا الخليفة المامون ومن جاء من بعده من الخلفاء ، هو أبو زَيْد بن إسحق العِبَادي المعروف بحُنَيْن بن إسحق ، مترجم وعالم لغات وطبيب عربي، مسيحي نسطوري. أصله من الحيرة ولد عام 194 هـ / 810م، لأب يشتغل بالصيدلة فعلمه اللغات. ويعد حنين بن اسحاق من كبار المترجمين في ذلك العصر، وكان يجيد - بالإضافة الى العربية - السريانية والفارسية واليونانية. وقام بترجمة أعمال جالينوس وأبقراط وأرسطو والعهد القديم من اليونانية، وقد حفظت ترجماته أعمال جالينوس وغيره من الضياع.

ينتمي حُنين إلى قبيلة العبادي التي تبعت كنيسة المشرق. تعلّم اليونانية والبيزنطية ودرس الطب في بغداد وقد ترقى ليصبح طبيب الخليفة المتوكل. برز حنين بشكل خاص في الترجمة حيث استطاع ترجمة كتب جالينوس وتعليقاته على كتب أبقراط بدقة وهذا النظام اعتمده الكثير من المترجمين اللاحقين لعصره كما قام بتصحيح الكثير من الترجمات المعيوبة والخاطئة.

عين الخليفة العباسي المامون ،حُنَيْن بن إسحاق  مسؤولا عن بيت الحكمة وديوان الترجمة،. عاصر تسعة من الخلفاء، وله العديد من الكتب والمترجمات التي تزيد عن المئة، وأصبح المرجع الأكبر للمترجمين جميعاً ورئيساً لطبّ العيون، حتى أصبحت مقالاته العشرة في العين، أقدم مؤلَّف في الطريقة العلمية لطب العيون وأقدم كتاب مدرسي منتظم عرفه تاريخ البحث العلمي في أمراض العين. توفي في سامرّاء عام 260 هـ /873م. )

 ومن الاطباء الذين اشتهروا في العهد الذهبي العباسي هو  جبرائيل بن بخيشوع : هو طبيب سرياني مسيحي عاش في بغداد ، واصله من الاحواز ،  واصبح طبيبا للخليفتين الرشيد والامين. وقد ذكره ابن سينا في كتابه  القانون في الطب:فقال عنه انه كان مشهوراً بقدرته في العلاج ، وذو همة عالية ، وجديا في عمله فحضي بمنزلة عالية لدى الخلفاء ، فاجزلوا عليه الاموال ما لم يحصله غيره من الأطباء.ونقل عن  الخليفة هارون الرشيد انه كان  يثق به لدرجة إنه قال لأصحابه: "كل من كانت له عندي حاجة فليخاطب بها جبرائيل، لأني أفعل كل ما يسألني فيه ويطلبه مني"

وعندما اصبح الأمين ابن هارون الرشيد خليفة ،صار جبرائيل طبيبا للامين في بغداد المدورة، وكان الأمين لا يأكل ولا يشرب إلا بإذنه، فلما ازاح المأمون الامين من الخلافة، كتب إلى الحسن بن سهل، ، أن يقبض على جبرائيل ويحبسه، لأنه ترك قصره بعد موت أبيه الرشيد ومضى إلى أخيه الأمين. ففعل الحسن بن سهل هذا. و في سنة اثنتين ومئتين هجرية مرض الحسن بن سهل مرضاً شديداً، ولم ينفع علاج  الأطباء له، فأخرج جبرائيل من الحبس فعالجه وشفى في أيام قليلة، فوهب له مالاً وفيراً. وكتب إلى الخليفة المأمون يعلمه  كيف شفى على يد جبرائيل، ويسأله في أمره. فأجابه المامون بالصفح عنه.

   كانت لجبرائيل بخيشوع مؤلفات في الطب والمنطق ومنها رسالة إلى المأمون في المطعم والمشرب.قال فيها انه يجيب على كتاب بتوقيع امير المؤمنين المامون حول تدبير البدن والمطعم والمشرب والمياه واخذ الدواء وفي الحجامة ، وهذه الرسالة بخط يد جبرائيل نفسه كما تظهر لنا هنا في الصورة , اضافة الى تاليفه كتاب المدخل إلى صناعة المنطق. ورسالة مختصرة في الطب. وكتاب في صنعة البخور، ألفه للخليفة المأمون.

هؤلاء هم ابرز علماء واطباء وفلاسفة العصر العباسي الذهبي :جبرائيل و حنين بن اسحاق والكندي وجابر بن حيان والرازي الذي اصبح اسمه رمزا يعتز به اطباء الغرب،  والخوارزمي الذي ما زال علماء الرياضيات في الغرب والشرق يتغنون باسمه ويفخرون بعلمه . ولذلك لابد لشبابنا ان يقتدوا بهذه الرموزوالقامات الكبيرة وان يستحضروا تاريخ اجدادهم المشرق هذا لكي ينهضوا بعراق الحضارات من كبوته الحالية، ويجددوا هذا التاريخ العظيم ، من اجل مستقبل مشرق .


مشاهدات 656
الكاتب محمد مظفر الادهمي
أضيف 2024/05/17 - 3:15 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 9:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 295 الشهر 11419 الكلي 9361956
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير