الجماعات المنحرفة .. الأسباب وسبل المواجهة
حسين الزيادي
لم تخلّ مرحلة من مراحل التاريخ من ظهور حركات أو تيارات تخرج عن الدارج والمألوف، لتشكل ظاهرة غير منسجمة مع المسار الطبيعي للمجتمع، وتاريخ الإسلام زاخر بتلك الحركات والجماعات التي يتم في أغلب الأحيان احتوائها اجتماعياً دون ان تخلف ضرراً يعتد به، في حين إن البعض الآخر أتسع وأنتشر وأكتسح شرائح شبابية واسعة، وأصبح مصدراً للخطر يستدعي وقفة جدية ومعالجة فكرية، وتكمن الخطورة في كونه سلاحاً خفياً غير معلن، يستهدف الشباب والمراهقين على الأغلب، وبات وجود هكذا انحرافات عقائدية سلاحاً فكرياً فتاكاً يستخدمه أعداء الدين والوطن لغرض إحداث البلبلة وتغييب شريحة مهمة من شرائح المجتمع التي يعول عليها في البناء والإعمار.
إن أنتشار هذه الحركات ينم عن وجود فراغ فكري وروحي مع وجود تمويل خارجي وقيادات ماسونية تعمل خلف الكواليس تستهدف الفكر الإسلامي ورموزه المقدسة وثوابته الأخلاقية ، فظهرت نتيجة لذلك حركات دينية شاذة بعقائد منحرفة هدامة ومتطرفة تحمل فكراً غريباً وتحاول طرح الإشكالات والمصطلحات التي لا يفقه اتباعها معناها بالدقة المطلوبة، مع التركيز على المتشابه وترك المحكم، وتطرح أفكارا وطقوساً غريبة تصل الى دعوة افرادها الى الانتحار والتضحية بالنفس، فأزهقت نتيجة لهذا الشذوذ والضلال أرواح بريئة، تطالعنا وسائل الاخبار بأحداثها بين الحين والآخر والمؤشّرات والإحصاءات تدلّ على ازدياد اعدادها.
صناعة مخابراتية
إن هذه الحركات الشاذة تمثّل حالة مَرضية لها أسبابها الداخلية والخارجية، ربما يكون بعضها صناعة مخابراتية لتشويه فكرة عقائدية وكسر قدسيتها في المجتمع المستهدف، لذا فان سبل المواجهة تستدعي التصدي الفكري الحازم في المقام الاول من خلال تحصين الشباب فكرياً وعقائديا، وهو أمر يجب أن تضطلع به المؤسسات الدينية والإعلامية والتربوية بالدرجة الأولى، كما يتطلب الأمر في المقام الثاني ملاحقة المتورطين بنشر تلك العقائد المنحرفة والمسيئين للثوابت الدينية للوصول الى خيوطها الرئيسة، وهو أمر ليس باليسير لأن هذه الحركات تنتشر بشكل عنقودي، بحيث ينضم كل عشرة اشخاص أو أقل إلى مجموعة منفردة، مما يصعب معرفة علاقة كل مجموعة بالمجموعات بالأخرى، فضلاً عن السرية التي تكتنف اعمال هذه الجماعات التي غالباً ما تستغل الأوضاع غير المستقرة والاحداث الطارئة.ان سبب وجود هكذا جماعات لا يخلو من أحد الأسباب فهي: أما تكون لها أبعاد سياسية تهدف لضرب المنظومة القيمية للمجتمع. وتسقيط رموزه وتقف وراء ذلك جهات معادية تغذيها فكرياً ومادياً، وهو الرأي الأرجح الذي تعززه جملة من المعطيات أبرزها الرصيد المالي لتلك الجماعات الشاذة، أو إنها تريد تحقيق مكاسب دنيوية كالاستحواذ على المال والذي يعزز هذا الرأي استقطاب تلك الحركات للطبقات الفقيرة من متوسطي التعليم وسكنة العشوائيات، أو إنها تجمع بين الوجه العقائدي الضال من جهة وبين الهدف السياسي من جهة اخرى في حركة واحدة.
إن انتشار هكذا حركات يعدُ مؤشراً حقيقياً لوجود خلل في التحصين الفكري الذي أصبح حاجة ملحة، فهو الحبل المتين لمواجهة التحديات العقلية والاجتماعية وتطوير مهارات التفكير المنطقي، لذا باتت الاسرة مسؤولة أكثر من أي وقت مضى عن تحصين الأبناء من الأفكار الضالة والتوجهات المنحرفة ، وتعزيز الجانب الاجتـــــــماعي والنفسي ومواجهة تحديات العصر وافرازات التكنلوجيا الحديثة، ومجابهة المؤثرات الخارجية التي تسهم في ضرب المنظومة الأسرية وخلخلة النسيج الاجتماعي والغاء الهوية الدينية. أما من الناحية القانونية فالقاعدة تقول (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) ولا يوجد في قانون العقوبات العراقي نص بخصوص تأسيس الحركات الدينية، إلا أن قانون العقوبات العراقي أشار ضمناً الى ذلك في المادة 372 التي أشارت الى ضمان حرية الفكر والمعتقد ، وحددت عقوبة لكل من اعتدى على معتقد لأحدى الطوائف أو حقر من شأنها أو تعمد التشويش على حفل أو دنس بناء معد لإقامة شعائرها الدينية أو رمزاً من رموزها ، وذهبت المادة 200 من قانون العقوبات العراقي، الى عقوبة كل من حبذ او روج ما يثير النعرات المذهبية أو الطائفية أو حرض على النزاع بين الطوائف والأجناس أو أثار شعور الكراهية والبغضاء ، كذلك نص الدستور العراقي في المادة الثالثة منه ( العراق بلد القوميات والأديان والمذاهب ... ) ونص في المدة ( 42 ) على إن (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة ) ونص أيضا على الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، إلا أن الدستور منع كل فكر يمهد أو يمجد او يروج ويبرر او يتبنى العنصرية والإرهاب والتكفير والتطهير الطائفي.
كما أن المشرع عاقب على فعل الإسهام في الانتحار، فقد جعل من التحريض أو المساعدة عليه جريمة وفق أحكام المادة 408/1 من قانون العقوبات العراقي 1969، ولاشك ان وضع الجماعات الدينية المنحرفة تنطبق عليها أحكام المادة 372 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وتنطبق على بعضها أحكام المادة 408/1 من قانون العقوبات .