الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مخدر الانشغالات الوهمية

بواسطة azzaman

مخدر الانشغالات الوهمية

نزار محمود

 

نعيش‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬خارج‭ ‬الوطن،‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬انشغل‭ ‬بماديات‭ ‬الحياة،‭ ‬ومنا‭ ‬بملذاتها،‭ ‬وآخرون‭ ‬أقعدهم‭ ‬الحزن‭ ‬وغلفتهم‭ ‬الكآبة‭! ‬كما‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬فريق‭ ‬رابع‭ ‬ممن‭ ‬راح‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وعن‭ ‬“أنا”‭ ‬ضائعة‭ ‬فبات‭ ‬مشغولاً‭ ‬بأعمال‭ ‬وحتى‭ ‬نضالات‭ ‬حسبها‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬له‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬غدها‭!‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬عمل‭ ‬ذاك‭. ‬الجميع‭ ‬يعمل‭ ‬برضى‭ ‬نفسه‭ ‬عنه‭ ‬وقناعته‭ ‬بما‭ ‬يقوم‭ ‬به،‭ ‬وربما‭ ‬بما‭ ‬يعيش‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬ومعطيات‭ ‬وبما‭ ‬يقدر‭ ‬عليه‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬وددت‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬جانبين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬انشغالات‭ ‬الإنسان‭: ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭.‬

في‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ ‬يعيش‭ ‬ملايين‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬أطياف‭ ‬سياسية‭ ‬شتى‭. ‬منهم‭ ‬كبير‭ ‬السن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬غادر‭ ‬الوطن‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬العهد‭ ‬الملكي،‭ ‬وهم‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬بكثرة‭. ‬تقرأ‭ ‬في‭ ‬مواقفهم‭ ‬وتسمع‭ ‬منهم‭ ‬نبرات‭ ‬حادة‭ ‬ضد‭ ‬بريطانيا‭ ‬والرجعية‭ ‬والاستعمار‭ ‬والاقطاع،‭ ‬وهو‭ ‬يعيش‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬من‭ ‬يلعنهم،‭ ‬ويا‭ ‬للمفارقة‭!‬

آخرون‭ ‬تسمع‭ ‬منهم‭ ‬ويجادلونك‭ ‬في‭ ‬الديالكتيك‭ ‬ودكتاتورية‭ ‬البروليتاريا‭ ‬والطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬وفائض‭ ‬القيمة‭ ‬واستغلال‭ ‬الإنسان‭ ‬للإنسان‭ ‬والعمالة‭ ‬للاستعمار‭ ‬والقيم‭ ‬البالية،‭ ‬ولم‭ ‬ينسوا‭ ‬دور‭ ‬الطبيعة‭ ‬وتسفيه‭ ‬الغيبية‭ ‬وفردوس‭ ‬الشيوعية‭.‬

في‭ ‬المقهى‭ ‬المقابل‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬آخرين‭ ‬يتبادلون‭ ‬نخب‭ ‬النشوة‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬ماضيها‭ ‬وأحلامها‭ ‬الوحدوية‭ ‬ويقدسون‭ ‬مفاتيحها‭ ‬الى‭ ‬النهضة‭ ‬والعزة‭ ‬والكرامة‭. ‬يتداولون‭ ‬المقالات‭ ‬والصور‭ ‬والفيديوات‭ ‬وما‭ ‬قيل‭ ‬وقال‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬سوق‭ ‬هرج‭ ‬ومرج‭ ‬لمن‭ ‬هب‭ ‬ودب‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬وجاهل‭.‬

ولم‭ ‬يختف‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الحياة‭ ‬ذوو‭ ‬اللحى‭ ‬المحناة‭ ‬من‭ ‬مناصري‭ ‬آل‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬صحابة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭! ‬فهذا‭ ‬سلفي‭ ‬وذاك‭ ‬جعفري،‭ ‬وثالث‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬الاخوان‭ ‬السبيل‭ ‬ورابع‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭!‬

والطريف‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يتحدث‭ ‬ويتشدق‭ ‬بالعدالة‭ ‬والكرامة‭ ‬والحرية‭ ‬والتقدم‭  ‬والسعادة‭!!‬

وحتى‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬ينشغلون‭ ‬بالعمل‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني‭ ‬قد‭ ‬يوهمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأعمال‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الثقافة‭ ‬ترفاً‭ ‬فردياً‭ ‬ولا‭ ‬خيالاً‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬الا‭ ‬الى‭ ‬سراب‭ ‬وخداع،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يحققه‭ ‬من‭ ‬نشوة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالانجاز‭ ‬والفخر‭ ‬بإطرءات‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬ممن‭ ‬يفهم‭ ‬وممن‭ ‬يجهل‭. ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬للعمل‭ ‬الثقافي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سبيلاً‭ ‬الى‭ ‬الهروب‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬ينفع‭ ‬الناس‭.‬

كثيرون‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬قضوا،‭ ‬وما‭ ‬يزالون،‭ ‬مئات‭ ‬وآلاف‭ ‬الساعات‭ ‬والأيام‭ ‬في‭ ‬أحاديث‭ ‬ونقاشات‭ ‬ومناظرات‭ ‬ومناكفات‭ ‬وحتى‭ ‬أعمال‭ ‬غير‭ ‬مؤثرة،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تعلم‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬وعمل‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭! ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬أضاعوه‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬أشبه‭ ‬بالمخدرات‭ ‬التي‭ ‬أقعدتهم‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬والبناء،‭ ‬وأوهمتهم‭ ‬أنهم‭ ‬يسيرون‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الشمس‭ ‬والحقيقة‭ ‬والخلاص‭.‬

بيد‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬استدرك‭: ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لي‭ ‬أو‭ ‬لغيري‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬رؤية‭ ‬للحياة‭ ‬فننتهي‭ ‬الى‭ ‬القول،‭ ‬وربما‭ ‬انصعنا‭ ‬له‭:‬

“كل‭ ‬قوم‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬فرحين”

برلين،‭ ‬26‭.‬04‭.‬2024


مشاهدات 254
الكاتب نزار محمود
أضيف 2024/04/27 - 2:31 PM
آخر تحديث 2024/07/06 - 4:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 94 الشهر 2133 الكلي 9364205
الوقت الآن
السبت 2024/7/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير