الصفصافة الحزينة في بئر الغزلان
باسل الخطيب
إلى متى نبخس شواخصنا التاريخية حق قدرها؟ وإلى متى تعاني تلك الشواخص من عدم الاهتمام اللازم والمطلوب؟ ومتى نتعلم من الآخرين كيفية إبراز شواخصنا وإظهارها بالنحو اللائق؟ وألا يعد الاهتمام بالشواخص التاريخية، مادية كانت أو معنوية، دليلاً على احترامنا لتاريخنا وقبلها لأنفسنا؟
أسئلة راودتني وأنا اتجول في حديقة الشعب العريقة، التي تعد أقدم حديقة عامة في مدينة السليمانية، وتقع في قلبها النابض، عند مدخل شارع سالم الراقي، من جهة شارع مولوي، حيث الأسواق القديمة وعبق تاريخ المدينة.
وتزين حديقة الشعب، التي تقع في منطقة (كاني سكان) أو (بئر الغزلان)، ويعود تاريخها لعام 1937، وتبلغ مساحتها 12 دونماً موزعة على ثماني قطع، وقد تم تصميمها من قبل البريطانيين، قبالة مقرهم، الذي لم يعد له وجود، خلال احتلالهم المدينة.
وتقف في مدخل الحديقة، نصب الضباط الكرد الأربعة الذين أعدموا في التاسع عشر من حزيران سنة 1949، لمشاركتهم في ثورة مهاباد، وهم كلاً من الرائد الركن عزت عبد العزيز، الرائد مصطفى خوشناو، النقيب خير الله عبد الكريم والملازم محمد محمود قدسي، كما تتوزع في أنحاء الحديقة تماثيل مجموعة من الشعراء والفنانين، أمثال مولوي (1806-1882) ونالي الشهرزوري (1800- 1856)، سالم (1805-1869) و كامران موكري (1929- 1986)، فضلاً عن مساحة مخصصة للعب الأطفال وبعض المقاهي.
وبالرغم من محافظة الجهات المعنية على تلك الحديقة، التي تعد ملاذاً للأدباء والفنانين والعشاق، كما الأطفال والمتقاعدين والطلبة وزوار المدينة، وإدامتها بنحو مقبول، إلا أن الزائر سرعان ما يكتشف افتقار تماثيل الشخصيات المهمة الموجودة فيها للتعريف المناسب، على غرار ما هو موجود في باقي مدن العالم، إذ اكتفت الجهات المعنية بكتابة اسم الشخصية باللغة الكردية، من دون أن تكلف نفسها عناء وضع قطعة دلالة باللغات الأخرى لاسيما العربية والإنكليزية، لتعريف الزوار من خارج المدينة، وما أكثرهم، بمآثر تلك الشخصيات التي كان لها حضورها لا في تاريخ السليمانية حسب، بل وفي تاريخ الحركة الكردية أيضاً.
أكثر من ذلك، هنالك شجرة صفصاف تقف شامخة في منتصف واحدة من قطع الحديقة الزاهرة، تتحدى عاديات الزمن، إذ يتجاوز عمرها الـ 85 عاماً، وتحظى باهتمام الزوار، وبرغم وضع قطعة بلاستيكية صغيرة، لا تكاد تميزها الأعين، للدلالة على عمرها، إلا أن المفارقة تمثلت بكونها تعطي معلومة مغلوطة، فبدلاً من كتابة التاريخ الذي زرعت فيه، كتب عليها 70 سنة فقط!!!
إن التذرع بحجة قلة الإمكانيات، وعدم توافر الأموال، لم تعد تنطلي على أحد، لاسيما مع البذخ الذي يصاحب نشاطات أخرى لا ترقى إلى أهمية تلك الشواخص التاريخية، كالحملات الانتخابية الدعائية، أو الاحتفالات الحزبية وغيرها من المناسبات التي تحرص الجهات المعنية على الاهتمام بها بالرغم من العزوف الشعبي الملحوظ عنها.
ترى متى تحظى شواخصنا التاريخية والتراثية بالاهتمام المطلوب؟ ومتى تكف الجهات المعنية عن الأعذار إياها عندما يتعلق الأمر بالشواخص التاريخية؟ وهل يصعب على من يعنيهم الأمر حقاً إظهار قدر من الاهتمام بتلك الشواخص والتعلم من الآخرين كيفية إبرازها بنحو حضاري وفني لائق؟ وقبل هذا وذاك، من يكفكف دموع الصفصافة الحزينة في بئر الغزلان؟.