لا أهلاً بالعيد.. دماء العراقيين تنزف بالمجان
احسان باشي العتابي
ربما سيعتقد البعض، او حتى الاغلبية ،انني مثالي جداً ،فيما سأطرحه من وجهة نظر، لكن الشيء الواثق منه،هو أنني ارى القضية بديهية جداً كوني «انسان»؛ وأنها من المفترض ،ان تكون سجية كل انسان «سوي» تجاه اي انسان آخر،باعتباره اعلى قيمة من بين مخلوقات الكون، فضلاً عن انه أغلاها، لانه لا يقدر بثمن بتاتاً.
عشت أنا ،والكثير من أقراني بالعمر، وكذلك من يكبرونا سنناً في زمن، كان لكل شيء فيه اعتبار ومكانة، وفي مقدمة تلك الأشياء ان جاز التعبير، هو صدمة فقدان المرء ،لانسان تربطه فيه اي نوع من العلاقات الاجتماعية بشقيها النسبي والسببي، فكانت صدمة فقدان البعض ،لا أبالغ إذا ما قلت، انها توثر حتى في البعيد ،الذي قد لا تربطه بذلك الشخص، الذي غيبته احدى الأقدار، فقط مجرد المعرفة السطحية،حتى كنا نشعر، ان اجواء الحزن الشديد، قد خيمت على تفاصيل كثيرة من حياتنا، ان لم تكن كلها، رغم ان تلك الحقبة، كانت تحمل في طياتها سبباً رئيسياً ،يجعلنا نتوقع فقدان من نحب باي لحظة، من جراء الحروب التي شهدها العراق لسنوات طويلة.
لكن وكما نوهت انفاً ،كنا بسبب الترابط والوئام الاجتماعي فيما بيننا،نشعر بقيمة الآخرين، لذلك كان فقدان شخص ما، ليس بالأمر الهين، الذي يجعلنا نتقبله، كما هو عليه أغلبية المجتمع العراقي اليوم، وتحديداً بعد الغزو الأمريكي له، قبل اكثر من عقدين من الزمن!!! فالموت اصبح مجاني!!! لانه يحدث لأتفه الاسباب!!! وربما لهذا السبب ،اخذ تاثر أولئك الاغلبية من العراقيين، ينعدم شيئا فشيئاً، بوقعه على ذواتهم، حتى إذا كان المغيب اقرب الناس لهم!!!
نافذة حقيقية
من اجل ذلك،اصبح من الطبيعي كما ارى، في بلد كالعراق ، يشهد عدم استقرار على كافة المستويات، واهمها المستوى الأمني للفرد والجماعة، هو عدم وجود نافذة حقيقية، لمسمى اي شيء إيجابي، يدعو للفرح والسرور،بل وحتى لملامح الابتسامة على محيانا!!! حتى مع فرض وجود مناسبة معينة تدعو احدنا ،ولو من باب التظاهر بالفرح والسرور ،لانه حينها يكون نفاقاً ،بل بهتان للعقل ،والمنطق، والضمير الحي!!!
فبأي عقل، ومنطق، وضمير حي ،أتبادل التهاني، بمناسبة عيد الفطر مثلاً ، وقد سبقه بليلة واحدة مقتل شاب عراقي ،لم يتزود بعد بشيء من حياته الدنيا، يشعره بمعنى الحياة وقيمتها، التي وهبها له ،من شرع صيام ذلك الشهر ،الذي قدر لليلة من لياليه، انها تعادل الف شهر،كما يوحي بذلك ظاهر كلام منزله جل في علاه؟! ربما يكون ذنب ذلك الشاب الضحية، انه طالب بوطن حر يحفظ كرامته،كما تثبت كل الشواهد على ذلك،لذلك التمس من القارئ اللبيب ،ان يفترض ان ذلك المجنى عليه ظلماً وعدواناً، قريب له ولأي سبب كان،فيا ترى ،ماذا ستكون ردت فعله تجاه فقدانه ذلك الشخص القريب منه؟؟؟
وهنا لابد ان اطرح تساؤلا لأولئك القتلة، ومن يقف خلفهم ،بل وحتى من يؤيدهم ،وفق اي منهج ومنهاج تسيرون انتم، بعدما ضربتم بعرض الحائط، كل قوانين السماء والأرض، التي تحرم قتل الانسان الا بالحق، وحتى في تلك، خير قانون السماء ولي الدم ،بين الأخذ بالحق بالمثل أو العفو؟؟لذلك ووفق كل تجارب التاريخ،التي سبقت وجودنا، فضلاً عن التي عشناها، ثبت بالدليل الذي لا يقبل الشك مطلقاً، ان الانسان المستقل واقعاً،دون قيمة حقيقية تذكر، لان التعامل معه يكون فقط،وفق المبدأ القائل «ان لم تكن معي فأنت ضدي»!!! بمعنى اوضح ،ان الانسان المستقل واقعاً، اما ان يكون مع الاغلبية، حتى وان كانت تخالف العقل ،والمنطق، والضمير الحي، من اجل ضمان استمرارية حياته ليس إلا، او يكون ضحية لهم!!! وهو بذلك ،سيكون سبباً ببقائهم، وديمومة توجهاتهم، عبر الازمنة المتلاحقة، وفي كل البقاع ربما!!!
كتاب القصص
يؤسفني القول ،انني أكاد أجزم، ان ارض العراق، لا تضاهيها ارض ،بسبب كثرة الدماء التي سفكت عليها، عبر قرون من الزمن، حتى بت اراءها»ارضاً ملعونة»!!! التي ربما سمعنا عنها، او حتى قرأناها، في احدى الروايات ،التي صورتها، ذهنية احد كتاب القصص والروايات، التي ينتاب تفاصيلها، الكثير من الغموض ،والرعب الشديد، لكل من اطلع عليها!!!
رغم الوجع الذي ينتابني، بسبب ما سأطرحه في الخاتمة ، لكنها الحقيقة التي لابد ان نواجهها..وهي انه خطأ عظيم، بل لعله اعظم، ان يضحي المرء، بكل غالٍ ونفيس، من اجل وطن، الاغلبية فيه، تقف بالضد منه!!! الذين لم ولن ترويهم كل دماء الشرفاء، التي سالت، والتي ستبقى تسيل،ان لم يذعن كل عراقي شريف ،لإملاءات اسياد أولئك الذين بلي بهم الوطن وشرفاء اهله!!! الذين فاقت مخططاتهم، كيد كل شيطان مريد!!! تحت العديد من المسميات والعناوين والتوجهات.
من اجل كل ما تقدم،ارى من المعيب وقد يكون حتى من العار،ان نسعى لإطلاق مفردات التهاني والتبريكات ليعضنا البعض،ونحن نعيش بحسب المعطيات الواقعية، اتعس،واقبح،وأعظم فترة، تسيد فيها» اللامعقول» على معظم تفاصيل حياتنا اليومية في البلد!!! وفي مقدمتها هو فقدان الإنسان لحياته جوهر هذا الطرح،كلامي كله ليس مثالية، كما نوهت سلفاً،وكذلك ليس تشاؤم ،كما سيعتقد البعض الاخر،ربما حتى ممن يؤمنون بكثير مما اومن به بهذا الخصوص،بقدر ما هو منحى اخلاقي، يتوجب على كل انسان حقيقي ان يتصف به.