الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عناق‭ ‬الريشة‭ ‬والقلم‭

بواسطة azzaman

عناق‭ ‬الريشة‭ ‬والقلم‭

جاسم محمد صالح الدليمي

 

بلاغة‭ ‬التكوين‭ ‬الجمالي‭ ‬في‭ ‬اللون‭ ‬والحرف

تنبهت‭ ‬الدراسات‭ ‬الجمالية‭ ‬الى‭ ‬الصفات‭ ‬النوعية‭ ‬للألوان‭ ‬ولاحظت‭ ‬تأثيراتها‭ ‬النفسية‭ ‬والوجدانية‭ ‬على‭ ‬الانسان‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬اللون‭ ‬ناقل‭ ‬فني‭ ‬أمين‭ ‬لمشاعر‭ ‬الانسان‭ ‬المبدع‭ ‬وأحاسيسه‭ ‬عبر‭ ‬اللوحة‭ ‬التشكيلية‭ ‬او‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية،‭ ‬وان‭ ‬درجة‭ ‬تركيز‭ ‬اللون‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬الفنية‭ ‬ترتبط‭ ‬بدرجة‭ ‬التوتر‭ ‬الشعوري‭ ‬والوجداني‭ ‬لدى‭ ‬الفنان‭ ‬المبدع‭ ‬حيث‭ ‬اللون‭ ‬منبع‭ ‬الشعور‭ ‬بالأشياء‭ ‬وهو‭ ‬عنصر‭ ‬الإحساس‭ ‬بها‭ ‬وله‭ ‬وجود‭ ‬حقيقي‭ ‬طبيعي‭ ‬ينبثق‭ ‬عنه‭ ‬وجود‭ ‬دلالي‭ ‬وفيه‭ ‬حس‭ ‬فني‭ ‬وصفة‭ ‬جمالية‭.‬

ان‭ ‬لغة‭ ‬التشكيل‭ ‬الجمالي‭ ‬للحرف‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬لوحة‭ ‬الخط‭ ‬–‭ ‬وهي‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭  ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬التواصل‭ ‬البصري‭ ‬مع‭ ‬الرسالة‭ ‬الجمالية‭ ‬والمعرفية‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬اللوحة‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬هادئة‭ ‬موحية‭ ‬مخملية‭ ‬ناعمة‭ ‬تبوح‭ ‬بمعانيها‭ ‬لمن‭ ‬يحسن‭ ‬قراءتها‭ ‬ويجيد‭ ‬تلقيها‭ ‬ويتقن‭ ‬فهمها‭ ‬وينصت‭ ‬الى‭ ‬اصواتها‭ ‬بقلب‭ ‬مفتوح‭ ‬ووعي‭ ‬ناضج‭ ‬حينها‭ ‬تعطيه‭ ‬اسرارها‭ ‬وتمنحه‭ ‬سعادة‭ ‬الكشف‭ ‬ومتعة‭ ‬البيان‭.‬

وظيفة‭ ‬اللون‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬تتجاوز‭ ‬قيمته‭ ‬الجمالية‭ ‬الى‭ ‬وظيفة‭ ‬للتفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬ابرز‭ ‬دلالاته‭ ‬ومعانيه‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬اللوحة‭ ‬وسياق‭ ‬وجوده‭ ‬التشكيلي‭ ‬فيها‭ ‬وموضعه‭ ‬من‭ ‬شكل‭ ‬اللوحة‭ ‬او‭ ‬فضائها‭ ‬التعبيري‭ . ‬يحاول‭ ‬الفنان‭ ‬تأسيس‭ ‬معان‭ ‬للجمال‭ ‬تنبثق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حركة‭ ‬الريشة‭ ‬ورسوماتها‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬القلم‭ ‬وتخطيطاته‭ ‬أو‭ ‬تشكيلاته‭.‬

تنتمي‭ ‬الريشة‭ ‬الى‭ ‬فن‭ ‬الرسم‭ ‬وينتمي‭ ‬القلم‭ ‬الى‭ ‬فن‭ ‬الخط‭ ‬وهما‭ ‬مجالا‭ ‬ابداع‭ ‬انساني‭ ‬جمالي‭ ‬راق‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬ومتقدم‭ ‬في‭ ‬الحضور‭ ‬الفكري‭ ‬ولكل‭ ‬ايحاآته‭ ‬المعنوية‭ ‬والدلالية‭ ‬ووظيفته‭ ‬التعبيرية‭ ‬عن‭ ‬الانسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬والكون‭ ‬وعلاقة‭ ‬الأشياء‭ ‬ببعضها‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬او‭ ‬الوعي‭ ‬الموجه‭ ‬لحركة‭ ‬الريشة‭ ‬ورسوماتها‭ ‬وظلال‭ ‬الوانها‭ ‬والقلم‭ ‬واختياراته‭ ‬لنوع‭ ‬الخط‭ ‬وشكل‭ ‬الحرف‭ ‬او‭ ‬طبيعته‭ .‬

إن‭ ‬المزاوجة‭ ‬بين‭ ‬الفنين‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬اللوحة‭ ‬الواحدة‭ ‬لتكوين‭ ‬تشكيل‭ ‬حروفي‭ ‬بصري‭ ‬معبر‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬الانسان‭ ‬الفنان‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬جهد‭ ‬ابداعي‭ ‬واجتهاد‭ ‬فني‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬التعبير‭ ‬الجمالي‭ ‬وتشكيلاته‭ ‬الابداعية‭ ‬لدى‭ ‬الفنان‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬مغامرة‭ ‬فنية‭ ‬لتأسيس‭ ‬شكل‭ ‬او‭ ‬مسار‭ ‬فني‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬تآلف‭ ‬جمالي‭ ‬يفيد‭ ‬من‭ ‬طرفي‭ ‬فن‭ ‬التشكيل‭ ‬وفن‭ ‬الخط‭ ‬بهندسة‭ ‬معمارية‭ ‬تحقق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الفنين‭ ‬وتفيد‭ ‬من‭ ‬ابعادهما‭ ‬الدلالية‭ ‬في‭ ‬انتاج‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬تنفتح‭ ‬معطياتها‭ ‬الإبداعية‭ ‬على‭ ‬دلالات‭ ‬لرغبات‭ ‬غير‭ ‬معلنة‭ ‬بوضوح‭ ‬واشراق‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬اللوحة‭ . ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬وقوانينها‭ ‬وانظمتها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رغباته‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬او‭ ‬المضمرة‭ ‬بين‭ ‬طيات‭ ‬الألوان‭ ‬وظلالها‭ ‬والخطوط‭ ‬وانكساراتها‭ ‬او‭ ‬تموجاتها‭ ‬والحروف‭ ‬ومقاساتها‭ . ‬تُرسمُ‭ ‬اللوحةُ‭ ‬بريشة‭ ‬وعيِّها‭ ‬وتأملاتِ‭ ‬فكرها‭ ‬للأشياء‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬وتُخطُّ‭ ‬حروفُها‭ ‬بأنامل‭ ‬رؤيتها‭ ‬وهاجسها‭ ‬الإبداعي‭ ‬عن‭ ‬الانسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬لأجل‭ ‬إقامة‭ ‬محترف‭ ‬للخط‭ ‬والرسم‭ ‬هو‭ ‬صومعة‭ ‬ابداع‭ ‬تُحوِّلُ‭ ‬معطيات‭ ‬الفكر‭ ‬وتنقلها‭ ‬من‭ ‬تصورات‭ ‬تجريدية‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الى‭ ‬شكل‭ ‬جمالي‭ ‬تجسده‭ ‬في‭  ‬اللوحة‭ ‬باعتبارها‭ ‬وعاءً‭ ‬فنيا‭ ‬يستوعب‭ ‬ابداع‭ ‬الفنان‭ ‬ويعلن‭ ‬عنه‭ ‬باللون‭ ‬والحرف‭. ‬توظف‭ ‬الريشة‭ ‬اللون‭ ‬والحرف‭ ‬لتمرير‭ ‬معطيات‭ ‬الفكر‭ ‬واملاآت‭ ‬الوعي‭ ‬نحو‭ ‬فضاء‭ ‬اللوحة‭ ‬بمسار‭ ‬جمالي‭ ‬يبرز‭ ‬فيهما‭ ‬الوظيفة‭ ‬التعبيرية‭ ‬والقيمة‭ ‬الدلالية‭ ‬في‭ ‬إيقاع‭ ‬بصري‭  ‬يستجيب‭ ‬لمسارات‭ ‬الوعي‭ ‬المؤسس‭ ‬لتشكيل‭ ‬اللوحة‭ ‬وتكويناتها‭ ‬الإبداعية‭ .‬

ثمة‭ ‬مقتضيات‭ ‬أسلوبية‭ ‬أو‭ ‬بواعث‭ ‬جمالية‭ ‬لوظيفة‭ ‬التشكيل‭ ‬والخط‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬الفنية‭ ‬عند‭ ‬الفنان‭ ‬–‭ ‬المبدع‭ ‬للوحة‭ ‬بتشكيلاتها‭ ‬الجمالية‭ – ‬تهدف‭ ‬الى‭ ‬انتاج‭ ‬دلالات‭ ‬جديدة‭ ‬واتساع‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬المعنى‭ ‬وظلاله‭ ‬وهناك‭ ‬قرائن‭ ‬تكوينية‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬تدعم‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬الجمالية‭  ‬وتؤكد‭ ‬وظيفتها‭ ‬الاسلوبية‭ .‬ان‭ ‬هندسة‭ ‬بناء‭ ‬اللوحة‭ ‬هي‭ ‬تشكيل‭ ‬اسلوبي‭ ‬جمالي‭ ‬يوظفه‭ ‬الفنان‭ ‬لتلوين‭ ‬التكوينات‭ ‬الإبداعية‭ ‬الفنية‭ ‬وعرض‭ ‬مضامينها‭ ‬بوضوح‭ ‬وانارة‭ ‬لمعانيها‭ ‬او‭ ‬تثوير‭ ‬لبؤر‭ ‬المعنى‭ ‬فيها‭ ‬وتحويل‭ ‬مسار‭ ‬الابعاد‭ ‬الدلالية‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تعبيري‭ ‬مغلق‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬مفتوح‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬الى‭ ‬واسع‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تقليدي‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬جمالي‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬بناء‭ ‬اللوحة‭ ‬وتكويناتها‭ ‬الجمالية‭ ‬،‭ ‬فأسلوب‭ ‬المزاوجة‭ ‬بين‭ ‬فني‭ ‬التشكيل‭ ‬والخط‭  ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تلوين‭ ‬واتساع‭ ‬للمعنى‭ ‬وإنتاج‭ ‬دلالات‭ ‬جديدة‭ ‬وربما‭ ‬فيه‭ ‬انحراف‭ ‬عن‭ ‬توقعات‭ ‬المتلقي‭ ‬المعتادة‭ ‬او‭ ‬التقليدية‭.‬

إن‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬تكوينات‭ ‬الحرف‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬لوحة‭ ‬تشكيلية‭ ‬ترتقي‭ ‬بفن‭ ‬الخط‭ ‬جماليا‭ ‬وتكسبه‭ ‬صياغة‭ ‬إبداعية‭ ‬توسع‭ ‬من‭ ‬تأثيراته‭ ‬الوجدانية‭ ‬أو‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الرائي‭ ‬وتحقق‭ ‬له‭ ‬متعة‭ ‬بصرية‭ ‬وارتياحا‭ ‬شعوريا‭ ‬نفسيا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬اللوحة‭ ‬التشكيلية‭ ‬تتزين‭ ‬بالحرف‭ ‬وجمالياته‭ ‬وتترقى‭ ‬في‭ ‬مدارج‭ ‬الابداع‭ ‬فتكون‭ ‬لوحة‭ ‬شعرية‭ ‬الإحساس‭ ‬بصرية‭ ‬الادراك‭ ‬تنعش‭ ‬الوجدان‭ ‬ويلتذ‭ ‬بها‭ ‬الشعور‭. ‬وإن‭ ‬امتزاج‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬بالخط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللون‭ ‬والحرف‭ ‬لإنتاج‭ ‬لوحة‭ ‬حروفية‭ ‬يرتقي‭ ‬بالمجالين‭ ‬فنيا‭ ‬وينتج‭ ‬ايقاعات‭ ‬بصرية‭ ‬تأنس‭ ‬بها‭ ‬عين‭ ‬الرائي‭ ‬وترتاح‭ ‬بها‭ ‬ولها‭ ‬بصيرته‭ .‬ثمة‭ ‬مسحة‭ ‬من‭ ‬الوجد‭ ‬الصوفي‭ ‬تظلل‭ ‬فضاء‭ ‬اللوحة‭ ‬الحروفية‭ ‬لتعلن‭ ‬عن‭ ‬فيض‭ ‬روحي‭ ‬رقيق‭ ‬مرسل‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الراسم‭ ‬والخاطّ‭ ‬الشفافة‭ ‬وشوقه‭ ‬الى‭ ‬حضرة‭ ‬اليقين‭ ‬بخشوع‭ ‬الايمان‭ ‬نفيا‭ ‬لقلق‭ ‬النفس‭ ‬وشوارد‭ ‬الفكر‭ ‬ولينشد‭ ‬عذب‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬مقام‭ ‬أو‭ ‬كأنه‭ ‬سماعيات‭ ‬مولوية‭ ‬عذبة‭ ‬اللحن‭ ‬شجية‭ ‬النغم‭.    ‬


مشاهدات 385
الكاتب جاسم محمد صالح الدليمي
أضيف 2024/04/03 - 2:35 PM
آخر تحديث 2025/09/10 - 1:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 472 الشهر 7031 الكلي 11424904
الوقت الآن
الأربعاء 2025/9/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير