الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تذوّق النجاح

بواسطة azzaman

تذوّق النجاح

خليل حلاوجي

في بلادنا اليوم نشهد تغييرات نوعية في المفاهيم فالبحث عن الثروة شطارة سواء أكان البحث حلالاً أو حراماً ؛ومدينتي الموصل  تحتفل بافتتاح كافيهات ومطاعم بحشود جماهيرية قد يترأسها مسؤول في الحكومة او البرلمان ولاتحتفل بانجاز شهادة الدكتوراه لإستاذ جامعي قدير .. والمدينة وهي تشهد زيارات أفواج الحجيج إلى العمرة بتوديع واستقبال جماهيري لافت للنظر؛ لا تشهد زيارات أفواج الباحثين عن التنقيب لشباب يبحثون عن تطوير مدننا زراعياً وسياحياً وتجارياً.. لقد تغير مفهوم (النجاح) حينما تغيرت وجهة نظر المجتمع للإنسان الناجح

يذكر لنا عالم النفس (براين تريسي) بعد دراسته سيكولوجية لـخمسة نماذج من مجتمعه الذي عاش بينهم واتضح أن ما نسميهم ناجحين في الواقع لايتجاوز عددهم(خمسة بالمائة) فقط..

ثمة مؤشرات مخيفة حينما يقتنع أحدنا وهو يلجأ إلى آلية (التقليد) حيث العقل الجمعي يخضعنا لشروطه القاسية ويعيد تشكيلنا

لنجد انفسنا جنوداً نأتمر بأوامر الحياة ومشاهدها التي يمارسها الآخرون من حولنا .. وننسى حينها تذوق طعم النجاح الفردي الذي نريده ونطمح له في أعماقنا ؛ فأحدنا غارق في المعاناة والتكلف فقط ليرضي المجتمع الذي يتحداه في الخروج عن مألوفات هذا المجتمع.. وهنا علينا فهم حقيقة السجن المجتمعي الذي نعيش خلف قضبانه فالانسان غير قادر على اتخاذ قراره في عدة محددات: بيولوجيا فهو إما ذكر أو انثى ولاخيار له ولاسعادة له في عناد طبيعته.. والإنسان مولود في زمان ومكان محددين لاطاقة له على تغيير وتبديل ذلك وبلون عينين زرقاء او سوداء محددة سلفا.. ولكن وفي نفس الوقت نجد الإنسان يولد ابن أمير أو ابن فقير ويولد بهذا الدين او ذاك ويولد تاجراً أو فلاحاً ويولد مثقفاً او جاهلاً ويولد ذليلاً او ثائراً ..لنجد هذه المحددات تظهر الآليات الاجتماعية وهي تشكّل الانسان وتمنحه على الأغلب الخيار طوعاً وكرهاً فهو غير ملزم بذلك على الدوام.. فيستطيع النجاح وربما يختار اللغة والثقافة والدين والعادات والقيم التي تتشكل بها شخصيته بعد بذل جهد جبار في هذا الارتقاء والتحديث وخوض معركة النجاح بين(ماأريد انا ومايريده الناس) من حولى حيث الضمانات الاجتماعية تلزمني بالانسياق والخضوع لمألوفات المجتمع..فمن يولد فقيراً سيظل كما هو حتى يثبت العكس ويقرر النجاح بهمة وحكمة وخطط مدروسة والفوز ضد الفقر ، المجتمع هنا يرفض ويمانع لو كانت البلاد محكومة بنظام يتيح التوزيع غير العادل للثروات والمجتمع سيرحب ويشجع إن كانت البلاد محكومة بنظام صارم في عدالته وهكذا يسهل او يتعسر وصول الإنسان إلى نجاحه.. وربما وقع أحدنا في سياق (النجاح الزائف) حيث المجتمع يداهن ويبرر للمخالف خروجه عن تطبيقات التوزيع العادل للثروات فيمارس النهب جهاراً نهاراً والمجتمع يهتف له ويصفق بدل أن يراقبه ويحاسبه ويردعه.. نجاح زائف لكنه يشاع هذه الأيام في بلادنا حيث الاقوياء يفرضون حضورهم حين يملكون المال والسلاح وحيث البسطاء يخافون الاعتراض مخافة البطش الذي ينتظرهم او ربما انتظروا الفرصة ليصبحوا من جنود الأقوياء فيتملقون لهم خفية وعلانية.. وهناك فئة ثالثة آثروا التغافل والتجاهل والالتجاء الى الوقوف على الحياد السلبي يعزون أنفسهم بأن الله سيقتص لهم ممن ظلمهم مع العلم أن الآية شديدة الوضوح حيث (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..

ومن يدري ربما الجميع ينتظر جيلاً جديداً غير مصاب بهذه المفاهيم المريضة لمعنى النجاح .. جيل يحقق النجاح عبر الاعتراض على المبدأ الذي يقرر أن التغيير ليس قدراً ننتظره  بل خياراً نستعد له عبر المصارحات والحوارات المعمقة وربما التظاهرات الواعية لعل صيحة منهم توقظ المجتمع الذي تشوهت عنده آليات تذوق النجاح.

 


مشاهدات 315
الكاتب خليل حلاوجي
أضيف 2024/01/30 - 3:30 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 12:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 11445 الكلي 9361982
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير