الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدولة العراقية وبلاء الطائفية

بواسطة azzaman

الدولة العراقية وبلاء الطائفية

خالد محسن الروضان

 

لقد شاء القدر أن يقع العراق بين الدولة العثمانية والدولة الايرانية ، وهاتين الدولتين متنافستين عليه. هذه تدعو الى مذهب السنه وتلك تدعو الى مذهب الشيعه، ومما يجدر ذكره ان سكان العراق انفسهم منقسمون الى هذين المذهبين، وقد اشتد النزاع الطائفي بينهم منذ صدر الاسلام، فجاء الصراع العثماني الايراني اخيراً ليزيد النار اشتعالاً.

بدأ الصراع العثماني الايراني اثر قيام الدولة الصفويه في ايران على يد الشاه اسماعيل الصفوي، فالمعروف عن سكان ايران انهم كانوا قبل قيام الدولة الصفويه من اهل السنه في الغالب، ولم يكن فيهم من الشيعه الا قليل نسبياً وكان اسماعيل الصفوي نفسه سنياً ومن أسره سنيه معروفه ولسبب نجهله اعلن تشيعه، والتف حوله كثير من الاتباع في منطقة اذربيجان. واتيح له اخيراً ان ينتصر وان يأسس له دوله قوية اخذت تنتقل من نصر الى نصر في انحاء ايران.

اتخذ اسماعيل التشيع مذهباً رسمياً لدولته الفتيه، وجعل من نفسه داعيه للتشيع وحامياً له. واخذ يقسر الايرانيين الذين يقعون تحت سيطرته على اتباع مذهب الشيعه بطرق شتئ. ولم يتردد في سبيل ذلك ان يلجئ الى القتل الذريع والاضطهاد والتعذيب وفي عام 1508 استطاع ان يفتح العراق فصار يضطهد اهل السنه من سكان العراق وقتل بعض وجهائهم وفقائهم وهدم قبور أئمتهم كقبر أبي حنيفه وعبد القادر الكيلاني ولقد كان يتولئ الحكم في الدولة العثمانيه انذاك سلطان قوي المراس شديد الوطاء هو السلطان سليم ، الذي اطلق عليه لقب (ياوز) ومعناه البطاش ولم يكد يسمع السلطان سليم بما حدث في العراق حتى امتلكه الغضب، فأتخذ من نفسه زعيماً لاهل السنه واستحصل على فتوى تعتبر الشيعه خارجين عن الدين الاسلامي وان الواجب يقضي بمحاربتهم وقتلهم .

ابن السلطان

وفي الاشهر الاولى من حكمه امر بذبح جميع الشيعه اينما وجدوا داخل بلاده فكانت مذبحه كبيره قتل فيها الالوف في الاناضول ونواحي حلب وبعد موت السلطان سليم تولى الحكم مكانه ابنه السلطان سليمان الذي يلقب ب(القانوني) والواقع ان هذا الرجل يختلف عن ابيه، حيث كان اقرب منه الى العدل والعمران وقد تم على يده فتح العراق فلم يحاول الانتقام من الشيعه كما فعل ابوه وعمده الى تعمير جميع المراقد المقدسه السنيه منها والشيعيه. لقد كانت تلك السياسه حكيمه ولكنها لم تدم طويلاً مع الاسف فالعراق اصبح واقع بين دولتين كلتاهما تطمع فيه وتحاول الاستيلاء عليه. استطاع الشاه عباس الصفوي ان يعيد احتلال العراق عام 1623 فأخذ يضطهد اهل السنه وينشر المذابح فيهم فجاء السلطان مراد الرابع لفتح العراق من جديد ففعل بالشيعه مثلما فعل الشاه عباس بأهل السنه، ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل ضل العراق مده طويله مهدداً بهجوم الايرانيين عليه مره بعد مره. وكثيراً ماكانوا يحتلون جزءاً فيه ثم ينسحبون عنه وفي كل مره كان الوضع الاجتماعي والنفسي في العراق يتأزم وتثور فيه الاحقاد والضغائن، مما يجدر ذكره ان الناس في ذلك الحين لم يكونوا يعرفون مايعرفه اهل عصرنا من مشاعر القوميه او الوطنيه لقد كانت النزعه الدينيه المتمثله بالتعصب المذهبي هي النزعه السائده بين الناس معنى هذا ان اهل العراق لم يكونوا يعدون الايرانيين او العثمانيين اجانب غرضهم الاستيلاء على البلاد للانتفاع بخيراتها بل كان كل فريق فيهم ينظر الى الدولة التي هي من مذهبه الديني كأنها الدوله المنقذه، فكان اهل السنه ينظرون الى الدولة العثمانيه نظرة التأييد والولاء كمثل ماكان اهل الشيعه ينظرون الى الدوله الايرانيه. ولاتكاد الحرب تعلن بين الدولتين حتى تجد اهل العراق قد انقسموا الى مؤيدين ومعارضين .

نظرة الخصم

وارتفعت الايدي بالدعاء لنصرة هذه الدوله او تلك. ولم يكن مثل هذا الوضع يخلوا من تبادل التهم والشتائم يلقيها كل فريق على خصمه وكل فريق في نظر خصمه خائن وكافر يجب سحقه . والواقع هذا ان هذا الصراع بين الدولتين العثمانيه والايرانيه كان بلاءاً عظيماً ابتلى به العراق ولايزال بقيه من هذا البلاء موجوده تفعل فعلها في النفوس سراً وعلنياً.

الاحتلال البريطاني للعراق

ثم مرت بعد زوال العهد العثماني فتره أمدها اربعون عاماً تقريباً الظاهر ان تلك الفتره لم تكن كافيه لان ينسى الشعب.  تنازعه القديم فلما حلت به (الهزه) في عام 1958 عاد الشعب يتنازع من جديد، ظهر النزاع مصبوغ بطلاء من الشعارات والمبادئ الحديثه غير انه كان متأثراً بالمشاعر القوميه و الوطنيه وسيادة الدولة العراقية وفي هذه المرحله انفتح بها النظام الطبقي وضعفت العقيده الدينيه في الجيل الجديد واخذت المنازعات تتحول من مجالها الديني القديم الى مجالها السياسي الجديد. ومما يجدر ذكره ان المرحله تميزت بأحداث سياسيه عنيفه فقد تتابعت فيها (الانقلابات) و (الانتفاضات) و (الوثبات) و (الحروب) فكان كل حدث من هذه الاحداث بمثابة مدرسة شعبيه تحرك الاذهان نحو السياسه. وبهذا اصبح المجتمع العراقي كأنه ساحة نزال يتصاولون الناس فيها بالسياسه كمثل ماكانوا قديماً يتصاولون بالمبادئ الدينيه.

كان جميع الناس ينطلقون من اطار فكري واحد ويعيشون ظروف متشابهه وحين يتاح لفريق منهم ان ينتصر على خصمه يفعل به مثلما فعل به او اشد منه (5)

( عام 1959 حين هيمن اليسار على المشهد السياسي حاول اقصاء الاخرين لكن اليسار هو الاخر تعرض للتنكيل بعد حين كما حصل في حركة ثمانيه شباط وشملت شن هجوم ضد كوردستان والشعب الكردي اطلق عليها وزير الدفاع صالح مهدي عماش بأنها نزهه ستنتهي بالقضاء على الحركة الكرديه. وكذلك تعرضت الاحزاب الاسلاميه التي يدعمها شاه ايران الى قمع شديد واتهام بالعماله والخيانه. وحين جاءت بعد الاحتلال الامريكي للعراق 2003 للحكم فعلت اشد مما فعل بها من قتل وتهميش واجتثاث.

الاحتلال الاميركي للعراق

بعد نهاية الحرب العالمية الثانيه وسعت الولايات المتحده الامريكيه تواجدها العسكري في منطقة الخليج العربي من خلال تواجد قواعدها في الجزيره العربيه والبحر المتوسط وايران في زمن الشاه وقد اعتمدت الستراتيجيه العسكريه الاميركيه في الشرق الاوسط على حماية اسرائيل اولاً ومصالحها في نفط المنطقه والخليج ثانياً. كانت سياستها معاديه لامال الامه العربيه في الوحده والتحرر، وفرض المشاريع الاستسلاميه على العرب ونهب منظم لثرواتهم وارصدتهم الماليه واجهاض اي مشروع نهضوي وحدوي اعتمدت سياسة الاحتواء المزدوج للعراق وايران واستنزفت قوى العراق وموارده البشريه والاقتصاديه بعد ان اوقعت القياده في فخ مهلك وفتحت الحروب عليه، التي اطلق عليها حرب الخليج الاولى والثانيه وفرضت حصاراً على العراق دام عشر سنوات قامت بعده في مارس اذار 2003 بغزو عسكري للعراق وكان المبرر الاساس اسلحة الدمار الشامل التي ادعت بأن النظام يمتلكها وقد استندت الى استنتاجات مبنيه على الخداع والتضليل. يعد غزو العراق احتلالاً ودماراً شاملاً له حيث فجر الاحتلال الصراعات الطائفيه والاثنيه وأثارت الثارات التي ظل ينزف فيها دم العراقيين طيلة السنوات ويسير في نفق مظلم والوضع من سيء الى اسوء. لقد توهم العراقيون رأياً عاماً وساسه بأن العمليه السياسيه المعقده التي اطلقها المحتل هي الفرصه المواتيه لاقامت النظام الديمقراطي في العراق. ولقد نتج عنها تأجيج الصراعات على السلطة واستحوذ عليها تجار السلطة من العناصر الفاسده والنفعيه والتي لا هم لها سوى نهب المال العام والقتل والنهب هو السمه السائده في البلاد تدعمهم القوى الظلاميه الخارجيه ( ايران) التي تغذي الانقسام الداخلي وزرع بذور الفتنه واثارت الخلافات التي جاءت منسجمه مع المفاهيم التي حملتها العمليه السياسيه ومنطلقاتها. بتقسيم الشعب العراقي الى مكونات شيعه – سنه – كرد واقليات اخرى والتي اعتمدتها في ديمقراطيه توافقيه قائمه على مبدأ المحاصصه الحزبيه والطائفيه في تشكيل حكومات الفساد التي جلبت الكوارث للبلاد – تفجير مقام الامام الهادي في مدينه سامراء وتأجيج الصراع الطائفي واشعال الحرب الاهليه التي سالت فيها دماء الابرياء وتلاها احتلال داعش لاراضي مدن ( الموصل ، صلاح الدين ، الانبار ) واجراء استفتاء كردستان العراق. وضعت العمليه السياسيه بطبيعتها المعقده البلد على شفا حفره من نار بعد ان اسقطت قرارات برايمر الحاكم المدني سيء الصيت ، اعمدة الدوله العراقيه ، بحل الجيش العراقي وقوى الامن الوطني وتفكيك الدوله باصدار قانون مجالس المحافظات وتهديد الوحده الوطنيه واثارت النزعات الثاريه والانتقاميه بالاجتثاث.

)The End of Iraq by peter W. Galbraith(

ويؤكد ذلك الكاتب الاميركي بيتر في كتابه ( نهاية العراق ) الذي جاء فيه (لقد حافظ النظام السني على وحدة العراق منذ اكثر من 80 عام لكن القرارات الخاطئه بحل الجيش العراقي وقوى الامن الداخلي وقرار الاجتثاث قد اسقطت الدوله وانذرت بتقسيم العراق فالجيش وقوى الامن الوطني هي الاعمده القويه التي استندت اليها الدوله) واليوم يتبع القائمون على هذه العمليه ( والذين انفردوا بالسلطه ) على نفس المسار الخاطئ القائم على سياسة الثار ضد الاخرين والتشهير والتحدث عن تأمر واتهامات لتصفية الاخرين وتهميشهم وتكرار نفس التجارب السابقه الفاشله وامام هذه المخاطر والتحديات ما المطلوب عمله ؟

1  - على القائمون على هذه العمليه السياسيه ان يعتبروا بتجاربهم الماضيه وهذا هو اوان الاعتبار وعدم الاصرار على تكرار التجارب الفاشله

2 – الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي اكثر من اي شعب اخر وليس هناك من طريق لعلاج هذا الانشقاق اجدى من تطبيق الديمقراطيه فيه. حيث يتاح لكل مواطن ان يشارك في الحكم

3 – التحول الى ديمقراطيه حقيقيه من خلال ممثلين حقيقيين لبناء النظام الديمقراطي وابعاد التشوهات الولاديه التي تلحق به من تطبيق الديمقراطيه التوافقيه ونظام المحاصصه الحزبيه الطائفيه

4 – الابتعاد عن التطرف في التصرف واعتماد الحكمه والعقلانيه واحترام الرأي الاخر

5 – التخطيط لبناء اقتصاد متين ومحاربة الفساد واسترجاع الاموال المنهوبه وممتلكات الدوله وقطع يد الاحزاب والمتنفذين من السيطره عليها

6 – الابتعاد عن خلق جيل من المعادين واعتماد مبدأ احتواء الشباب ودفعهم لخدمة البلد وتطوير طاقاتهم المتنوعه وزجهم في ميادين العمل والبناء

7 – الحفاظ على البنيه التحتيه التي بنيت بأموال الشعب وتطويرها لاحرقها وتدميرها

8 – حصر السلاح بيد الدوله كما نصت الماده (9) الفقره (ب) بحضر تكوين مليشيات عسكريه خارج اطار القوات المسلحه ويحذر العمل الحزبي في داخل القوات المسلحه ويفرض ذلك بقانون لايجوز العمل السياسي في القوات المسلحه وفرض عقوبات شديده عن المخالفين ( الطرد ) لغرض حفظ مهنيه واستقلالية القوات المسلحه وقوى الامن الداخلي

الهوامش

1 – ابراهيم فصيح الحيدري ( عنوان المجد ) ص116

2 – ستيفن لونكريك ( أربعه قرون من تاريخ العراق ) ص18-19

3 – ساطع الحصري ( البلاد العربيه والدوله العثمانيه ) ص40

4 – ستيفن لونكريك ( المصدر السابق ) ص19

5 – علي الوردي ( الاحلام بين العلم والعقيده ) ص272

6 – خالد محسن الروضان مقال نشر في جريدة الزمان عام 2023 ( العنف في الحكومات العراقي ).


مشاهدات 416
الكاتب خالد محسن الروضان
أضيف 2024/01/21 - 4:33 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 3:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 328 الشهر 11452 الكلي 9361989
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير