الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في المتنفس يضيق النفس

بواسطة azzaman

كلام أبيض

في المتنفس يضيق النفس

جليل وادي

 

مع ان في التسوق لذة ، وعند بعض الناس ما بعدها لذة ، وقد تكون النساء أكثر استشعارا لهذه اللذة من الرجال ، وهناك من ينتظر رأس الشهر بفارغ الصبر للاستمتاع بالتجوال في الأسواق ، فمرأى السلع المختلفة والناس والألوان تبث الاسترخاء في النفس ، لنقضي وقتا من الفراغ نكسر فيه رتابة يومنا ونبدد ما ينتابنا من ملل ، هكذا هو المفترض ، لكنك في أسواقنا العامة سرعان ما تفر بجلدك لتغادرها كارها وقاسما بأغلظ الأيمان ألا تذهب اليها ثانية الا اذا كنت مضطرا ، فتتحمل ما لا يُطاق لتشتري سلعتك التي يتعذر عليك الاستغناء عنها .

 تغدو الأسواق حاجة أكثر الحاحا عندما لا توجد قنوات ترفيهية كالمتنزهات المنظمة والنظيفة ، والتي لا تثقل كاهل الأسرة بمبالغ غير قادرة على دفعها لا سيما الأسر كبيرة العدد ، او مسارح تقدم فيها الأعمال الفنية الراقية التي تثري ثقافة الجمهور وتنقل له رسالة تنطوي على قيم من شأنها الارتقاء بحياته ، ولا قاعات للعروض الموسيقية والتشكيلية لتنمية الحس الجمالي وتهذيب الذائقة الفنية ، كجزء من عملية التصدي لتراجع الذوق العام الذي لم تفكر فيه الجهات المعنية ، بل لا يشغل أية مساحة من اهتماماتها ، وصارت تتفرج على السلوكيات غير المهذبة لبعض الناس من دون أن تسأل نفسها لماذا يحدث هذا ؟ .

وفي غياب هذه القنوات ، او ان واقعها لا يستجيب لحاجة الأسر للتسلية والترفيه ، لم تعد سوى الأسواق متنفسا ، لكن ما أن تدخلها حتى يضيق نفسك ، ويرتفع ضغطك ، وتهيج فروة رأسك ، فقد حدث ما أصفه عند تجوالي في مركز التسوق الرئيس في مدينة بعقوبة القديمة ، بالرغم من ان التسوق لا يستهويني كثيرا ، وزياراتي للأسواق متباعدة ، وتنتهي بمجرد شرائي للسلعة التي أحتاجها .

 أول ما يصدمك في أسواقنا نداءات الباعة المسجلة في مكبرات الصوت التي لا تتوقف طوال النهار ، وارتفاع أصواتها يحول دون سماع ما يقوله الذي يقف الى جانبك ، وكثيرا ما يرفض الباعة ايقاف مكبراتهم ، وعندما أغلقت احدها عمدا لأسأل البائع عن بضاعته نهرني بانفعال شديد وبكلمات لم أسمعها جيدا ، وأظنه شتمني ، ولم يكن بوسعي سوى أن ألزم الصمت والانسحاب من أمامه لكي لا يتطور الموقف الى ما لا يليق بي . بعد مسافة ليست بأكثر من مائة متر كنت بمواجهة مولد كهربائي ضخم بصوته الكريه ، تصاعد انفعالي ، لكني تحكمت به ريثما انتهي من التبضع ، السوق ضيق جدا ، وطاقته الاستيعابية لا تكفي للمتبضعين فيه  ، حتى انك لا تستطيع المشي بشكل مريح ، بالتأكيد  لم نصل بعد الى المرحلة التي نفكر فيها بمساحة الأسواق وتوقعاتنا لعدد المتبضعين ، فمثل هذا التفكير لم يؤخذ بالحسبان حتى في الجامعات الا على الورق فقط ، بينما هو معيار عالمي من معايير جودة التعليم بتحديد مساحة بالمتر المربع لكل طالب .

ما أستغربه انه في هذا المكان المكتظ سمح لأصحاب الدراجات النارية والتكاتك والسيارات بالدخول اليه ، والبعض من سواق التكتك وجلهم من الأطفال يستخدمون ( الهورنات ) ، في غالبها للاستمتاع وليس للضرورة ، فصرت اراوغ هذه المركبات تحسبا من تعرضي للخطر ، وسمعت تذمر كثير من الناس من هذه الفوضى العارمة ، بعد ان كان تسوقهم مريحا يوم اغلقت شوارع السوق قبل سنوات أمام المركبات لأغراض أمنية ،  لا أدري ان كان المسؤولون يعرفون بمعاناة الناس من هذه الضوضاء الكارثية ، والارباكات التي تحدثها المركبات داخله ؟ . يُقال ان الضوضاء تؤذي الأذن وتشل التفكير وتزيد التوتر وتنقص العمر ، فمن يضع حدا لها ؟.

أخيرا  قررت ان أشتري سلعتي على عجل وأغادر ، في هذه الأثناء تعالى صوت آذان المغرب الذي رج المكان رجا بأربعة مكبرات نقية الصوت ، بينما مسجد آخر قريب جدا من الأول يتلو آيات قرآنية بمستوى الصوت نفسه ، فازدادت خطواتي سرعة ، بينما بالي يفكر ببعض الاقتراحات لحل هذه الاشكاليات ، ودون أن أدري وصلت الى نهاية السوق ونسيت شراء ما أريد.

 

 


مشاهدات 144
الكاتب جليل وادي
أضيف 2023/09/23 - 5:14 PM
آخر تحديث 2023/12/05 - 3:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 194 الشهر 2619 الكلي 8930458
الوقت الآن
الجمعة 2023/12/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير