بين رئيس الوزراء والبطاطا الهولندية
عادل سعد
حين وصلت البطاطا الهولندية الى اسواق بغداد لم يجد بائع خضروات من طريقة لتأثيث هذا الحدث الاستهلاكي والضحك على الذقون الا كتابة لافتة تصدّرت دكانه واصفاً وصولها بالبشرى السارة زاعماً ان فيها فوائد لا تتوفر في أية بطاطا اخرى
هذا التوصيف ينطبق على خضر وفواكه مستوردة اخرى تغطي دكاكين الخضروات في بغداد والمحافظات بعروض ومأ?ثر تحاكي عروض ملكات الجمال .
الامر الشائع الآن ، ان النزعات الاستهلاكية تتضخم عراقياً دون اي اعتبار لحدود الحاجة ، ولذا باتت مشاهد مألوفة لخضروات وفواكه غير صالحة للاستخدام البشري بعد ان اصابها عطن التقادم ، وتكون صورة هذا الحس الاستهلاكي المرضي قد اكتملت بعد ان يضاف أليها النزعات المتواترة لربات البيوت أثناء تكديسهن خضروات وفواكه في (الثلاجات )تحت ضغط شعور طاغ انها قد تٌفتقد من الاسواق ،ويحضرني هنا ان اشير الى محنة احد اصدقائي مع زوجته المصابة بمتلازمة الاقتناء الى حد اضطراره الى تنظيف (ثلاجتهم) من المواد التي اصبها العطن اسبوعيا محاولا منعها من شراء كميات تزيد عن حاجاتهم الاستهلاكية الاسبوعية من مواد غذائية بأعمار زمنية معينة ، وكاد الخلاف بينهما ان يؤدي الى الطلاق .
من جانب اخر، شغلني سؤال منذ سنوات عديدة هل ان العراق ذا النهرين والروافد والبحيرات والمياه الجوفية عاجز فعلا من تحقيق ما يكفي لسد حاجاته من هذه المنتجات الزراعية ذاتيا ، وليس بالاستيراد ، وهل الكميات التي تستهلك من تلك المواد تتناسب والحاجات الحقيقية للاستهلاك .
المشكلة ليس في قلة مياه السقي لأن كميات المياه التي تصرف في حمامات السيارات كافية ان تلبي حاجة مزارع من هذه الانواع مع فائض واضح في توفرها ، كما ليس هناك مشكلة في اراضي البستنة التي يمكن ان تٌخصص لها ، ولا في امكانيات تنوع الخضروات والفواكه التي يمكن ان تٌزرع فيها.
مكمن المشكلة
المشكلة تكمن في منظومة القناعات بجدوى خطوات من هذا النوع ،والمشكلة تكمن في الجزع الذي تتسسلل الى العقل الزراعي ، والمشكلة تكمن في محفزات الكسل التي باتت جزءاً من اساسيات الحياة العراقية ، وللمشكلتين اذرع ومجسات ترتبط بالحقاىب الوزارية الخاصة بالزراعة التي تولاها اشخاص لم يستوعبوا المفهوم السيادي للأكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية .الشيء بالشيء يذكر ، لقد لملمت اوراقي على عجل وتوجهت الى السيد محمد حمزة الزبيدي عندما كان رئيسا للوزراء بين عامي 1991 ، 1993.
كنت مدفوعاً بمعلومة راجت حينها أنهٌ أمرَ بالضغط على الفلّاحين ان يكفوا عن استغلال المزيد من الاراضي الزراعية للخضروات والفواكه وان يكون انصرافهم الاهم الى زراعة الحنطة والشعير والرز والغلات الاخرى التي تندرج ضمن المتطلبات الغذائية الاساسية .
نفي قاطع
الرجل استقبلني وحين طرحت عليه ما راجَ بشأن الموضوع نفى نفيا قاطعاً المعلومة ، وسارعَ الى الاتصال هاتفياً بوزير الزراعة قائلاً ( يمي مجلة الف باء وتسألني عن صحة اشاعة انني قلت عن الفلاحين طوّخوها وتمادوا في توسيع الاهتمام بزراعة الخضر والفواكه ) ، الوزير بدوره نفى ذلك . ونشرتٌ ما قاله في تخريج اعلامي أشرتْ فيه الى الضرورة التكاملية بين حاجة العراقيين للخبز وحاجاتهم الى الخضروات والفواكه .
بخلاصة تحليلية ، المعادلة الغذائية الوطنية المطلوبة الآن عراقياً ، ليس فقط التوجه الحازم الى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات والفواكه ،بل وايضاً ارساء منظومة اخلاقية لدى المواطنين العراقيين للتخلص من الشعور المخزي بالمجاعة ، والتصرف بعقلانية الترشيد .
ان السؤال الذي مازلت ابحث عن اجابة له متى يمتلك العراقيون قناعة الاكتفاء .
يقول حازم الببلاوي رئيس الوزراء المصري الاسبق ،الخبير المتمرس في الكشف عن الاعتلال التنموي ،ان الاسراف محرك خطير للانكشاف الاقتصادي ، ويرى عالم الاجتماع ابن خلدون ان كثرة الاهتمام بأشجار الرارنج فساد للمدن .