الخيانة واحدة .. مهما تغيّر الخصم
حسن الحيدري
اعاد اعتراف نواف الزيدان وهو احد المقربين من عائلة النظام الاسبق خلال ظهوره في برنامج الصندوق الأسود مع عمار تقي فتح باب قديم في الذاكرة العراقية حين اقر بابلاغه القوات الاميركية في تموز ٢٠٠٣ عن مكان وجود ابني الرئيس الاسبق عدي وقصي في منزله الكبير والمليء بالاثاث الفاخر كون العاملين بالقرب من العائلة الحاكمة انذاك تظفر بالتجارة والاموال وسيارات المارسيدس ليس لفهمها او لاختصاصاتها الرصينة في ادارة الدولة يكفي انها ذات اصوات تشبه الى حد ما صوت القائد الضرورة الذي استفادو منه وميزهم لعقود ورغم ما يمكن أن يثار من جدل سياسي او عاطفي حول طبيعة الخصم انذاك فإن المزاج العام لدى الجمهور الشيعي بدا واضحا لا تعاطف ولا تحويل للزيدان الى بطل ولا محاولة لتبرير الفعل تحت اي عنوان.
سلوك مبدئي
في الوعي الجمعي الشيعي وربما العربي عموما الخيانة لا تتجزا ولا يعاد تعريفها بحسب هوية العدو ولا تخفف وطاتها ان كان المستهدف نظاما قمعيا اذاق الناس الويلات فالخيانة من هذا المنظور ليست موقفا ظرفيا بل سلوكا مبدئيا مرفوضا لان معيارها ليس من خون بل كيف خون ثمة قناعة راسخة تقول ان التاريخ لا يكتب عبر لحظة وشاية ولا تصنع التحولات الكبرى باخبار او احداثية الاميركيون كقوة احتلال تمتلك ادوات استخبارية هائلة لبلد احتلوه بالخرائط والصور الشخصية لاغلب المقربين من النظام وكانوا سيتوصلون عاجلا ام اجلا الى ما توصلوا اليه كما توصلوا الى الاب نفسه المسالة اذن لم تكن مسالة انقاذ او حسم بقدر ما كانت مسالة موقع اخلاقي اختاره الفاعل لنفسه فينظر البعض للفعل لو تغير الى قتلهم او عدم استقبالهم افضل بكثير من تسليمهم لمحتل ولهذا لم ينتج الاعتراف تعاطفا لدى العقل الجمعي الشيعي الذي كان يأن من ويلات الابنين بالخصوص لادارتهم اهم الاجهزة الامنية وتحكمهم بالدولة وتفاصيلها جمعاء .
مساحات كبيرة
ولم يخلق موجة تبرير لان الجمهور لا يرى في تلك اللحظة نقطة تحول تاريخية بل يرى فعلا فرديا خارج سياق المقاومة او صحوة ضمير متاخرة لدفع ضرر من اضرهم طيلة عقود او الصراع الشريف قبل دخول المحتل باسابيع ومحاولة الخلاص منهم ولو في احدى حفلات الشواء لدى المقربين من النظام في الفلل ذات المساحات الكبيرة حتى العداء الشديد للنظام السابق لم يكن كافيا لمنح صك غفران لفعل يصنف في الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة كخيانة صريحة. اللافت ان هذا الموقف لا ينطلق من تقديس اشخاص أو الدفاع عن حقبة بل من رفض تحويل التعاون مع قوة احتلال الى بطولة متــــــــــــاخرة فالتحولات الكبرى في العراق لم تصنعها الوشايات بل تراكمات داخلية وخارجية اخطاء بنيـــــــــــــــوية وانسداد سياسي طويل سبق لحظة السقوط بسنوات.
وهنا يمكن للتاريخ أن يحلل ويمكن للوقائع ان تفهم في سياقاتها لكن بعض الخطوط تبقى حمراء في الوجدان الشعبي والخيانة مهما اختلفت الذرائع تبقى واحدة… لا تلمّع ولا يعاد تدويرها ولا تتحول الى بطولة حتى بعد مرور الزمن وان كان ثمنها ثلاثين مليون دولار .