الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شباب قلعة أربيل في القرن العشرين.. أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم

بواسطة azzaman

شباب قلعة أربيل في القرن العشرين.. أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم

عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

 

لم يكن الجبل، في الوعي الجمعي لشباب أربيل، ولا سيّما أبناء قلعة أربيل، في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، مجرد تضاريس وعرة أو ملاذٍ عسكري مؤقت، بل كان فضاءً أخلاقيًا، وموقفًا وجوديًا واعيًا، واختيارًا حاسمًا بين الصمت والكرامة، وبين الخضوع والمواجهة.

وحين ضاقت المدينة بأحلامهم، واتّسعت الهوة بين السلطة والحرية، لم يبحث هؤلاء الشباب عن تسوياتٍ سهلة، بل اختاروا الطريق الأصعب: طريق الجبل، حاملين معهم ذاكرة القلعة، وصلابة الحجر، وإرادةً لم تعرف المساومة.

شهد العراق منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين وحتى أواخر السبعينيات مرحلةً مضطربة اتسمت بتعاقب الانقلابات العسكرية، واحتكار السلطة، وتصاعد سياسات الإقصاء والقمع، ولا سيّما بحق الحركات الوطنية والقومية. وفي هذا المناخ المشحون، تآكلت المساحات المدنية للعمل السياسي، وأُغلقت قنوات التعبير السلمي، ما دفع شرائح واسعة من الشباب إلى البحث عن بدائل أخلاقية وسياسية خارج المدينة.

في هذا السياق، لم يكن خيار الجبل فعلًا طارئًا أو اندفاعًا عاطفيًا، بل نتيجة تراكم وعي سياسي واجتماعي، ونضجٍ مبكر لمعنى الوطن والحرية.

شكّلت قلعة أربيل، بتاريخها العريق وبنيتها الاجتماعية المتماسكة، فضاءً حاضنًا لتشكّل الوعي الوطني. ففي أزقّتها الضيقة، وبيوتها المتقاربة، ومساجدها، ومقاهيها الشعبية، تشكّلت أولى الأسئلة الكبرى:

- من نحن؟

- ولمن يكون الوطن؟

- وأين تقف العدالة؟

لم تكن القلعة مجرد مكان للسكن، بل مجتمعًا حيًّا، تتداخل فيه العلاقات العائلية، والروابط المهنية، والذاكرة الجمعية. ومن هذا النسيج خرج جيل حمل همّ المدينة إلى الجبل، لا طلبًا للمجد، بل دفاعًا عن كرامةٍ شعر أنها مهدَّدة.

لم يكن الانتقال من القلعة إلى الجبل قطيعةً مع المدينة، بل امتدادًا لها بوسائل أخرى.

ففي الجبل، حمل هؤلاء الشباب قيم القلعة:

- الصدق،

- الالتزام،

- التكافل،

- واحترام الناس البسطاء.

لقد أدركوا مبكرًا أن أخطر ما يهدد أي حركة تحررية ليس الرصاص وحده، بل فقدان المعنى. لذلك حرصوا على أن يكون نضالهم مرتبطًا بالأخلاق، وبعلاقة عضوية مع المجتمع.

في الجبل، لم تكن الحياة رومانسية ولا سهلة. كانت قاسية، شحيحة، مفتوحة على الخطر الدائم. هناك تعلّم هؤلاء الشباب معنى الانضباط الصارم، والعمل الجماعي، وتحمل المسؤولية.

لم يكن السلاح هو جوهر التجربة، بل الالتزام بقضية، والإيمان بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الوطن لا يُختزل في سلطة، بل يُبنى بتضحيات أبنائه.

الابطال صنعوا تاريخ تاريخ مدينة اربيل وقلعتها هؤلاء هم :

أكرم الخياط

أحد الوجوه الوطنية التي أسهمت في دعم العمل النضالي، وتميّز بثباته وهدوئه، وبإيمانه العميق بأن الفعل الصامت أبلغ من الخطاب العالي.

عباس بوستاني (أبو سفين)

رمز من رموز الشجاعة الميدانية. عُرف بجرأته ورباطة جأشه، وبحضوره في المواقع الصعبة، حيث كان مثالًا للمناضل الذي لا يتراجع ولا يساوم.

عبدالله توفيق سعيد ( مواليد1936 )

بطل ملحمة هندرين عام 1966، وأحد أبرز رموز النضال في تاريخ أربيل الحديث. مثّل حضوره في المعارك نقطة توازن معنوي، وكان اسمه مقترنًا بالشجاعة والانضباط والتضحية. لم يكن قائدًا بالسلاح فقط، بل بالمثال.

عدنان فتاح (مواليد 1956)

أحد وجوه الجيل المناضل، تميّز بالالتزام الفكري والسياسي، وبالاستعداد الدائم لتحمّل المسؤولية في أحلك الظروف.

عدنان رشاد المفتي

من أبناء القلعة الذين حملوا وعي المدينة إلى الجبل، وأسهموا في ترسيخ أخلاقيات النضال، ورفضوا تحويل الثورة إلى وسيلة للامتياز.

الشهيد جلال عثمان الجلبي (استشهد 1976)

استُشهد رمياً بالرصاص في سجن أبو غريب، ليكون شاهدًا على وحشية القمع. تحوّل استشهاده إلى رمزٍ للصمود، ودليلٍ على أن الجبل لم يكن فقط في الجغرافيا، بل في الإرادة.

جلال عبدالكريم (شقيق سليم قاقا)

من الشخصيات النضالية التي حافظت على خط الاستقامة، وشاركت في العمل الوطني بصمت ومسؤولية.

اللواء فؤاد عمر الجلبي

جمع بين الخبرة العسكرية والانتماء الوطني، وكان حضوره عامل توازن وحكمة في مراحل دقيقة من مسيرة النضال.

شمس الدين عمر الجلبي (مواليد 1937)

شخصية تربوية ووطنية بارزة، أسهمت في تشكيل الوعي الجمعي لجيل الستينيات والسبعينيات. لم يكن التعليم لديه وظيفة، بل رسالة أخلاقية، وكان لبصمته التربوية أثر عميق في نفوس كثير من شباب القلعة.

الشهيد سربست قلاتي

استُشهد في عملية عند مفرق كوران، وخلّد اسمه بجرأته وإقدامه في الميدان.

سردار قلاتي

أحد المناضلين الذين ارتبط اسمهم بالفعل الميداني والانضباط، وكان مثالًا للالتزام والوفاء للقضية.

الشهيد سرحان محسن توفيق (مواليد 1969)

استُشهد خلال حملة الأنفال عام 1988 في جبل قنديل، وكان من أصغر شهداء هذا الجيل، وأكثرهم دلالة على وحشية تلك المرحلة.

هندرين عبدالواحد توفيق (مواليد 1957)

ارتبط اسمه بالمثابرة والاستمرارية، وبالعمل الصامت الذي لا يسعى إلى الأضواء.

(الشهيد نوزاد عبدالجبار الحيدري( مواليد 1963

أحد شهداء الغدر و الخيانة، جسّد نهاية مأساوية لمسار نضالي طويل، وبقي اسمه شاهدًا على التضحيات الكبرى.

ما يميّز هذا الجيل أنه لم يتعامل مع النضال بوصفه سلّمًا للمناصب أو الامتيازات.

كثيرون عادوا دون ألقاب، وبعضهم لم يعد أصلًا، لكنهم جميعًا تركوا أثرًا أخلاقيًا عميقًا في ذاكرة أربيل  وقلعتها.

إن استذكار سيرة هؤلاء اليوم ليس حنينًا إلى الماضي، بل استعادةٌ لمعنى غائب في زمن الالتباس.

هو تذكير بأن في تاريخ أربيل، وفي ذاكرة القلعة، جيلًا اختار الجبل لا هربًا، بل مواجهةً؛

واختار الصمت عن الأسماء، والنطق بالفعل.

إنهم جيل القلعة والجبل

جيلٌ لم يُساوم.


مشاهدات 84
الكاتب عبدالباقي عبدالجبار الحيدري
أضيف 2025/12/25 - 1:11 AM
آخر تحديث 2025/12/25 - 3:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 122 الشهر 18402 الكلي 13002307
الوقت الآن
الخميس 2025/12/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير