المدير وحق الموظف في المقابلة
عماد يوسف خورشيد
معلوم أن الوظيفة العامة تكليف وطني لتقديم خدمة عامة للمواطنين، وليس تشريفًا وامتيازًا أو تكريمًا شخصيًا أو فرصة للترفه.
ومما نقف عنده، أن الثابت في قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل النافذ، والذي يُعد القانون الموضوعي والمعيار في ضبط مهام الموظفين في مؤسسات الدولة، قد حصّن «قيمة الاحترام» بقاعدة قانونية ملزمة، يفرض عقوبة على من يستهين بها أو لا يتحلى بها عند التعامل فيما بين الموظفين، أو بين الرئيس والمرؤوس، أو العكس.
فقد نصت المادة 4/ ثالثًا منه على ضرورة تحلي الموظف بـ: «احترام رؤسائه والالتزام بالأدب واللياقة في مخاطبتهم وإطاعة أوامرهم المتعلقة بأداء واجباته في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة والتعليمات، فإذا كان في هذه الأوامر مخالفة فعلى الموظف أن يبين لرئيسه كتابة وجه تلك المخالفة ولا يلتزم بتنفيذ تلك الأوامر إلا إذا أكدها رئيسه كتابة وعندئذٍ يكون الرئيس هو المسؤول عنها». وفي مقابل ذلك، فقد وضع قاعدة عامة في وجوب احترام الرئيس للموظف -المرؤوس- في المادة 4 منه، نصت على أنه «رابعًا: «معاملة المرؤوسين بالحسنى وبما يحفظ كرامتهم». وفضلًا عن ذلك، فقد وضع المشرع في ذات المادة قاعدة إلزام المدير والموظفين جميعًا باحترام المواطنين، في فقرتها الخامسة بالنص الآتي: «خامسًا: احترام المواطنين وتسهيل إنجاز معاملاتهم».
مؤسسات دولة
ومما ينبغي أن نقف عنده، هو أن القانون كما تبين أعطى القاعدة العامة في ضرورة الاحترام وحفظ كرامة الإنسان في مؤسسات الدولة، ومعلوم أن أفعال الإنسان تختلف من زمن إلى آخر، وبالتالي فإن اللجان التحقيقية التي تتشكل هي التي تكيّف المخالفة مع قواعد القانون أعلاه، وفي حال الاعتراض عليها من قبل الموظف الذي صدر بحقه عقوبة معينة، تكون المحكمة المختصة هي «محكمة قضاء الموظفين» في مجلس الدولة العراقي، والتي أسست بالدرجة الأساس لرفع الظلم والتعسف الذي قد يمارس بحق الموظفين من قبل الإدارة، وبالنتيجة فإن الأحكام القضائية بعد ذلك تُعد انعكاسًا ونموذجًا واقعيًا لتطبيق قواعد القانون.
وبناءً على ذلك، لاحظنا حكمًا قضائيًا في القانون المقارن تحديدًا، صادرًا من المحكمة الإدارية العليا المصرية بالطعن رقم 20159 لسنة 58 ق. عليا، تضمن مبادئ قانونية تستأهل أن نتوقف عندها، وهي سابقة قضائية مهمة في توضيح مضمون المقالة بالتطبيق العملي، ويمكن الوصول إليها بالبحث برقم الحكم أعلاه في مواقع البحث على شبكة الإنترنت، إذ جاء فيه:
«مكتب الرئيس في العمل ليس ملكًا له يستقبل فيه من يشاء ويمنع دخوله من يشاء، إنما أُعد لتحقيق المصلحة العامة وبالتالي لا يجوز للرئيس حرمان أيًا من مرؤوسيه من دخوله أو وضع قواعد لاستقبالهم». و «أن دخول مكتب الرئيس في العمل لا يحتاج للحصول على إذن مُسبق أو تصريح خاص أو مراسيم معينة، ولا يُشكل أية مخالفة». وأن قاعدة «احترام المرؤوس لرئيسه لا يعطي الأخير حق إهانته والتعدي عليه بالسب». و»إذا ارتفع صوت المرؤوس في مواجهة الرئيس على أثر الإهانة التي لاقاها منه لا يمكن أن يُشكل مخالفة تستوجب المؤاخذة أو تستأهل العقاب». فالدفاع عن النفس كفله القانون العراقي أيضًا.
وفضلًا عن ذلك، لا يجوز، بل يُجرم فعل «إهانة الرئيس لأحد مرؤوسيه وتعديه عليه بالسب هو أمر لا تقره القوانين واللوائح ولا تعترف به الشرائع الإدارية».
قضاء مصري
وبالنتيجة، اتضح أمامنا صورة من صور عدم احترام الرئيس للمرؤوس في القضاء الاداري المقارن- المصري- وكيف أنصف القضاء المصري المرؤوس، بل أنصف كل موظفي الدول التي تكون قوانينها متقاربة مع القانون المصري. وإذا تبادر تساؤل مفاده: هذه الواقعة في القضاء المصري كيف يمكن لنا في العراق الاستئناس بها في وقائع مشابهة؟ هنا يجيب القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في مادته 1/ 3 على ذلك «وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية».
وخلاصة القول، أن قيمة الاحترام لا بد من أن تكون فعالة في كافة مؤسسات الدولة، سواءً فيما بين الموظفين أو في معاملة المراجعين وهذا واجب قانوني يعاقب بجزاء على من يخالف ذلك، والأهم يكون باب مدير الدائرة مفتوحًا أمام موظفيه والمراجعين، وأن لا يضع أوامر إدارية شفوية أو تحريرية في مقابلة الموظفين أو المراجعين يقيد او يمنع او يأخر طلبه، فالموظف الذي يأتي عنده لم يأت عنده ليتبادلا حديثًا خاصًا.
وإذا حصل ذلك من موظف استثناءً يكون لزامًا على المدير أن يوجه الموظف في طرح ما لديه في أمور تخص الوظيفة، فالمدير مكلف وواجب عليه أن يذلل العقبات أمام موظفيه خدمة للصالح العام. وأن نستفيد من الواقعة أعلاه، في عدم تكرارها في دوائرنا، والكيس من اعتبر بغيره، وبالتالي فنحن أناس والطبائع قد تتشابه فيمكن للقضاء الإداري العراقي الاستئناس بهذه الواقعة الفريدة عند عرض قضايا مشابهة حفاظًا للحقوق والحريات.