المنجورة والصناعية
وجيه عباس
وكأن مشاكل العراق انتهت ولم يتبق إرهابي واحد، لكن ظهر إرهاب شديد يهدد الجميع.
في تسعينيات القرن المنصرم ( حلوة المنصرم هذه!)، وحين كنت أحمل رتبة (رائد شرطة) في مركز (الرشاد)، أرسل إليَّ العميد (ح.ف.ض) اثناء الدوام الرسمي، وكان يقف في غرفته أحد المواطنين الذي أخبره بشيء غير طبيعي في ذلك الوقت، قال: خذ معك مفرزة مع الأخ المواطن، واذهب الى أحد النجارين الذي ينحت من الخشب أعضاء جنسية، اصطحبت المخبر باعتبار أن الجريمة مشهودة، أشار إلى محل نجّار في شارع (.....) وهرب مني خشية مواجهته بصاحب المحل، دخلت وسلمت عليه، قلت له أنه لدينا إخبارية مسيئة عنك، وجهه صار أصفراً من الخوف، بحثت في المحل عن الأعضاء الجنسية المنحوتة، ووجدت اثنين منها داخل صندق خشبي جميل ، قلت له: ماهذا؟! قال :سيدي أنا فنان وأنحت أي شيء، قلت له: هل نحن في روما الايطالية وهل نحتَّ هذه الأعضاء لتريها لمايكل أنجلو جارك؟!
اصطحبته إلى المركز، كنا نسمع بعبارة (....ــــيورة منجورة)، لكن هذين المبرزين نقل مرحلة السمع إلى المشاهدة، وحكاية هذين المبرزين أخذت صدى واسعاً في المركز وفي مديرية شرطة بغداد الرصافة حينها، صدقوا أن الكثير من الضباط كانوا يراجعون المركز فقط لرؤية المبرزين الجرميين!!، كنت في نشوة الشباب، أشتري الضحكة بالفلوس فكيف إذا كان تحت جلدي كاتب ساخر ومخرج فنان..نسيت بأن أقول لكم أن المتهم كان أحد المصلين في جامع المشتل، وصادف أنه عرض منتوجه المنجور أمام أحد المصلين المعقَّدين الذي ربما تصور ولو للحظة أن النجار يريد أن يتحرش به، فقام بإخبار العميد (ح.ف.ض).
طيلة الفترة التي أوقف فيها على المادة 502 ق.ع، وهي مادة قانونية تخص المخالفات وعقوبتها الأعلى كان تغريمة عشرة دنانير حينها فقط، لكن كانت هناك مسرحية هزلية في المركز، والجميع يضحك ببلاش....
-جيبولنه أبو (....ــــيورة المنجورة) لتدوين أقواله!.
- أبو ( ....ــــيورة المنجورة) إجتّك مواجهة!.
- أبو (...ـــيورة المنجورة) راح نسيّرك للقاضي.
- أبو (...المنجورة) طلعت بكفالة!.
- أبو ( ....ـــــــيورة المنجورة) حضِّر لك كفيل!.
- أبو ( ...ــــيورة المنجورة) الله وياك!.
هناك من المثليين من يمارس الشذوذ من المهد إلى اللحد ولايستطيع كسب اللقب الذي حصل عليه ذلك النجار في أقل من ثلاثة أيام فقط!..
قضية الأعضاء الصناعية لدى العراقيين تكون حادثا طريفا ليس إلا...، أذكر ما قاله لي أحد المفوضين بعد عام 2003 وكيف أنهم قبضوا على شخص يحمل معه كمية منها، واصطحبوه إلى (.....)، ويقال والعهدة علة الشاهد ان المنتسبين قاموا باقتسام هذه المبارز الجرمية، وفي الصباح سأل السيد الآمر عن المبرزات الجرمية لغرض تحويل المتهم إلى مركز الشرطة المختص، فقالوا له أن جميع المبارز الجرمية اقتسمها المنتسبون فيما بينهم، فقال :ماهذا...ادري آني شعندي منتسبين!!!، أرسل أحد المنتسبين وهو يرتدي الملابس المدنية وأوصاه بشراء عدة اعضاء بلاستيكية من ساحة التحرير من الفشلة! وأرسل المتهم مع المبرزات الجرمية للمركز!!...
ذاكرتي تتذكر صديقا لي توفاه الله قبل عدة سنوات، كان صاحب مطبعة، لما سمع بما حكيت له عن الدعوى، قال لدينا صاحب مطبعة سافر إلى إحدى الدول الأوربية في السبعينات، وصادف أن جلب معه عضواً صناعياً، فتشوا حقيبته ووجدوا العضو، وكأنهم عثروا على قنبلة، حضر مدير شرطة المطار ومدير المخابرات ومدير الاستخبارات ومدير الأمن العام وحتى الشرطي الذي يقدم الشاي!، قام مدير شرطة المطار ببتوجيه كلام شديد على صاحب المطبعة، صاحب المطبعة ساكت ولا يتكلم، الضابط يتكلم عن الأخلاق العراقية والشرف والعفة والقيم والمباديء والعادات والتقاليد وإنه بجلبه عضوا صناعيا فكأنه اغتصب البكارة العراقية بالكامل، بعد نهاية المحاضرة الأخلاقية لمدير شرطة مطار بغداد الدولي في السبعينات، تكلم صاحب المطبعة مع الضابط وقال لي: سيدي آني غلطان بس اريد أحجي وياك لوحدنا...قال له: تفضل تكلم: قال له سيدي أني ابوي ميت قبل عشرين سنة وأمي عايشة لوحدها، وخوفي عليها من الإنحراف الأخلاقي قررت شراءه وجلبه لأمي....
الضابط سقط على الأرض من الضحك وأقسم عليه أن يرسله لأمه فأقسم له وخرج من مطار بغداد وهو يحمل معه القضيب الصناعي!.
نعود إلى صاحبنا أبو (....ــيورة المنجورة)، أطلق القاضي سراحه بكفالة مادية بتهمة هي أقرب لمعنى هتك العِرض مع تشويه سمعته داخل المركز فقط، المجتمع العراقي إذا وجد حالة غريبة عن قيمه وعاداته الاجتماعية سوف يحكم عليه بتشويه السمعة ( متهما كان أو بريئاً)، وأنا متيقن أنه سوف يغلق محل نجارته لأن أحداً من ساخري المجتمع سيكتب على واجهة الجدار الخارجي عبارة [ نجارة أبو (....ــــيورة المنجورة)]، لكن القضية لم تنته عندي، ختمت العضو الخشبي الكبير بختم مركز شرطة (....)، ووضعت له رقمين: رقم محرك ورقم شاصي!، وكأنه كتاب رسمي ليصبح وثيقة رسمية في تأريخ وزارة الداخلية!.
صباحاً، حين كنت أبدأ بالدوام الرسمي، أخرج الصندوق الخشبي الذي يحتوي على العضوين الكبير والصغير، وإذا احتجت لطمأنة مواطن أو مواطنة يراجعاني للمركز عن أي دعوى أقسم لهم بالعلبة التي على يميني أن قضيتهم في طريق الإنجاز الثوري!!...هل كانت تصرفاتي حينها هي احتجاج لما يعيشه المواطن العراقي؟ لا أدري...لكنني كنت كمن يؤدي دوراً مكتوباً له ضمن سيناريو حكومي جدا!.
ثقافة الشتيمة طبع متأصل في جهاز الشرطة وخاصة في بغداد، بغداد مدينة شاتمة في الأعم الأغلب، عبود الكرخي الشاعر العامي كان بغدادياً، ملابس الشرطة الزيتونية أشبه بالمحفِّز الطبيعي لكسب احترام الآخرين من الشرطة و"جفيان شر".
قبل عدة أيام تم القبض على أحد الأشخاص ولدى تفتيش سيارته عثروا على (15 عضواً)، وضعوها قائمة أمامه، كانت شامخة مثل نصب أبي الهول، المشكلة أن الوانها متعددة!!، وبجنب كل عضو جهاز ريمونت خاص به، (ياجماعة الخير قضية الريمونت كونترول اشوفهه صعبة!)، وهو جالس أمام أعضائه التي ربما يتاجر بها، التقطوا له صورة وكأنهم فتحوا القسطنطينية، لو أنهم قبضوا عليه وهو يتاجر بالمخدرات كان أشرف له، في التسعينات لم تكن هناك مواقع تفاصل اجتماعي، لهذا انتشر الخبر لغرض النكتة، أما أن يقوم أحدهم كائنا من كان بنشرها في موافع التفاصل الاجتماعي فهذه جريمة ارتكبها احد المحققين الذين سمح أو هو من قام بتسريبها ليحذر للمجتمع من غزو الأعضاء البلاستيكية.
حبيبي المحقق وأخي الشرطي الذي نشرت هذه الصورة: هل تدري ماذا فعلت بنشر هذه الصورة؟ لقد حكمت عليه بالإعدام إجتماعياً، كان الأولى أن تقدم أوراقه لقاضي التحقيق مع الصورة ليصدر قراره القضائي، لكن أن تنشرها على مواقع التفاصل الاجتماعي فأنت بهذا قد حكمت عليه وأصبحت في نفس اللحظة قاضيا ومنفذا لحكم الإعدام بحقه وحق عائلته.
إخواننا في الداخلية: أوصوا الشرطة بالحفاظ على المبارز لأن ساحة التحرير لاتبيع الأعضاء بالشارع!!.