يتباهون برفع صواني الولائم
مارد عبد الحسن الحسون
كُتب الكثير عن الاخطاء التي تتمثل بالولائم كظاهرة تسود المجتمع العراقي ، واللافت أن الدعوات تزايدت في الوقت الحاضر للحد منها ، كما تشعب الحديث عن اصول الكرم الحاتمي وليس بما يحاك من اساطير بخصوصه ، لقد تعددت قصص الولائم في مزايدات لا طائل تحتها ، وكأن تقديم الفضل لا يستقيم لأظهار الكرم الا بما يقدم الشخص من صورة على هذا الطريق الى الحد الذي باتت فيه كثرة الطعام المقدم هي المقياس .
المؤسف تحولت الظاهرة الى شراء ذمم وعقد صفقات وتبيض مواقف بينما الحقيقة في مكان اخر.
أن الكرم كصفة إنسانية لا يقتصر على ما يمكن ان يقدمه الشخص من طعام لضيوفه فحسب كما أن اقامة الولائم لإصلاح علاقة ، وجمع متخاصمين او لمناقشة شأن ما لا يمكن ان تكون دليلا قاطعاً على حسن النية في هذا التصرف ، فهي ليست طريقاً اجتماعياً صحيحاً اصلاً للتواصل بين الناس .
من جهة اضافية ، يمثل الاسراف فيها وفق الصور المتكررة الان في العراق خلال الأعراس والماتم والمؤتمرات والجلسات الحوارية مضيعة للمنطق المتوازن القائم على الأصول الحقيقية المستندة الى المودة وتعزيز حسن النية والتعبير عن التضامن ، ويهمني ان أسأل كم وليمة أقيمت لكنها لم تستطع ان تطّهر نفوس من الضغائن وتشد أزر مصالحات ، وكم موائد نُصبت ولكن طعامها لم يستطع ان يكون حارساً للعلاقات ، واذا شبعت البطون منها فليس معنى ذلك ان الضمائر اقتنعت .
شرع ديني
والمؤسف ، إن أخذ هذه الظاهرة من الزاوية العشائرية يتبين لك سباق محموم بين الولائم والخصومات والصدامات العشائرية دون ان تستطيع الولائم ان تنتشل العشائر من المشاكل التي مازالت تتحكم بها رغم أن (للزاد حرمة) كما يقول المثل العربي . وبقدر تعلق الامر بالشرع الديني الخالص يظل توجيه المرجعية الرشيدة التي يجسدها سماحة السيد علي السيستاني هي الفيصل حيث أوصى سماحته بالكف عن الاسراف والبذخ ، وإذا قارنت هذه التوجيه الشرعي بما يجري في المضايف والدواوين يتبين لك أن في الولائم التي تقام هناك خروجاً على على هذه الفتوى الامينة .
لقد صار ما يبث من عروض الولائم الان عبر الانترنيت مدعاة للأصول الزائفة ، أما القياس الاخر المدان فبحجم المتبقي من طعام تلك الولائم بعد ان يكون الجميع قد اخذوا كفايتهم منها .
إن هناك مفارقات مؤلمة شاهدتها بعيني لشيوخ عشائر يسرفون ويبذخون في الولائم التي يقيمونها لمجرد إظهار الهيبة والجاه في حين على مقربة من مضايفهم ودواوينهم هناك مدارس ابتدائية تفتقر الى ابسط المستلزمات دون ان ترف اجفان كرم هؤلاء الشيوخ في دعم تلك المدارس بأعتبار ذلك جزء من مسؤولياته الاخلاقية في رعاية ابناء عشائرهم ، وللتاريخ أذكر انني تداولت في هذا الموضوع كثيرا من زاوية ان القيمة السعرية لفضلات الطعام التي ترمى نفايات كافية لتلبية المزيد من حاجات مراكز صحية وأجتماعية ، أو ستر حال فقراء محرومين يعانون من سوء التغذية ، ومن خلال إحصائيات موثقة بوجد تناقص خطير في الثروة الحيوانية من اغنام وابقار وغيرها من الحيوانات المحللة للذبح والاكل ، كل ذلك نتيجة الاسراف في اظهار الكرم بالمفطحات التي تتزين بها الموائد .
يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم ، (كلوا واشربوا ولاتسرفو ،إن الله لايحب المسرفين) (سورة الاعراف أية 31 ) و( والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ،ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامّا ) (سورةالفرقان اية67 ) وفي الحديث الشريف ،فان النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام قد لعن الولائم من محتوى تقديمها للاغنياء الشابعين وليس للفقراء .
والمؤكد ان اغلب الولائم التي تقام في العراق هذه الايام تستأثر بها هذه الشريحة الاجتماعية التي لا تحتاج الى من يطعمها ويتفضل عليها..
ختاماً ومن قصدي العام لمقالي هذا ، هل نستطيع الحد من هذه الظاهرة المستشرية داخل المجتمع العراقي .
نعم ،ولكن هذه الاستطاعة بحاجة إلى نماذج ميدانية تنطلق من المضايف والدواوين التي تجعلها ليس مطاعم للتبذير، بل مدارس للتربية الاجتماعية الصحيحة.
.