الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أزمة أوباما كير - اختبار العدالة الصحية

بواسطة azzaman

أزمة أوباما كير - اختبار العدالة الصحية

محمد علي الحيدري

 

 

مع اقتراب نهاية عام 2025، تتجه الولايات المتحدة إلى واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ سياستها الصحية، مع انتهاء الإعانات المعززة لأقساط التأمين ضمن قانون الرعاية الصحية الميسرة، المعروف شعبياً باسم “أوباما كير”. هذا القانون الذي أُقر عام 2010 خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، يهدف إلى توسيع التغطية الصحية للأمريكيين وخفض التكاليف غير المدفوعة، ويعتمد على سوق التأمين الصحي لتقديم إعانات ضريبية للأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، ما يجعلها قادرة على تحمل كلفة التأمين.

الحدث في جوهره ليس تقنيًا ولا ماليًا فحسب، بل سياسي واجتماعي بامتياز، لأنه يعيد طرح سؤال قديم بصيغة أكثر حدّة: إلى أي حدّ تلتزم الدولة الأمريكية بمفهوم العدالة الصحية لمواطنيها؟

منذ إقراره، شكّل “أوباما كير” حلًا وسطًا بين منطق السوق الحر ومتطلبات الحماية الاجتماعية. لم يُلغِ دور شركات التأمين، ولم يقدّم رعاية صحية شاملة على النمط الأوروبي، لكنه حاول تقليص الفجوة بين الكلفة والقدرة على الدفع عبر الإعانات الضريبية. التجربة أثبتت أن هذه الصيغة تبقى هشّة ما لم تُدعَم بإرادة سياسية مستدامة، وهو ما كشفته بوضوح مرحلة الجائحة حين اضطرت الدولة إلى توسيع الإعانات مؤقتًا لتفادي انهيار اجتماعي أوسع.

الإعانات المعززة لم تكن ترفًا استثنائيًا، بل اعترافًا متأخرًا بأن سوق التأمين الصحي، إذا تُرك وحده، لا ينتج عدالة ولا استقرارًا. الارتفاع غير المسبوق في أعداد المسجلين خلال السنوات الأخيرة كان مؤشرًا على حجم الحاجة، لا على توسّع حكومي قسري. ومع ذلك، فإن العودة عن هذا الدعم تُقدَّم اليوم تحت شعار ضبط الإنفاق، وكأن كلفة فقدان التغطية الصحية أقل وزنًا من أرقام الموازنة.

سياسيًا، يعكس الموقف الجمهوري استمرار التعامل مع “أوباما كير” بوصفه رمزًا أيديولوجيًا أكثر منه سياسة عامة. فرفض تمديد الإعانات لا ينطلق فقط من حسابات مالية، بل من رغبة قديمة في تقليص دور الدولة في الرعاية الصحية. في المقابل، يظهر عجز الديمقراطيين عن تحويل الدعم المؤقت إلى حق دائم، وهو عجز لا يقل خطورة لأنه يكرّس فكرة أن الحماية الاجتماعية يمكن تعليقها أو سحبها تبعًا لتبدّل موازين القوى.

النتائج المتوقعة لا تتوقف عند ارتفاع الأقساط، بل تمتد إلى إعادة تشكيل سوق التأمين نفسه. حين تُجبر الفئات الأقل مرضًا على الخروج بسبب الكلفة، تتآكل قاعدة التوازن، وترتفع الأسعار أكثر، في حلقة مفرغة تهدد بفقدان التغطية لملايين إضافيين. هذا المسار لا يضرب الفئات الهشّة وحدها، بل يضغط بقوة على الطبقة الوسطى التي طالما قُدّمت بوصفها العمود الفقري للاستقرار الأمريكي.

بالنسبة للقارئ العربي، تكشف هذه الأزمة مفارقة لافتة: دولة تُعدّ الأقوى اقتصاديًا في العالم، لكنها ما زالت تتعامل مع الرعاية الصحية كامتياز قابل للتفاوض، لا كحق إنساني ثابت. وهي مفارقة تضعف السردية التقليدية عن تفوق النموذج الأمريكي، وتبرز حدود الديمقراطية حين تُفصل عن عدالة اجتماعية راسخة.

في المحصلة، تمثّل أزمة “أوباما كير” اختبارًا حقيقيًا لمفهوم العدالة الصحية في الولايات المتحدة. فإما أن تُستخلص منها قناعة بأن صحة المواطن لا يجوز أن تكون رهينة الصراع الحزبي، أو تُترك لتصبح مثالًا جديدًا على هشاشة المكتسبات الاجتماعية في نظام يقدّم السياسة على الإنسان.

 


مشاهدات 25
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/12/17 - 1:43 PM
آخر تحديث 2025/12/18 - 9:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 522 الشهر 13385 الكلي 12997290
الوقت الآن
الخميس 2025/12/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير