اهمية حصاد مياه الامطار في العراق
راجي العوادي
يُعدّ حصاد المياه في العراق تطبيقًا قديمًا وليس تقنية جديدة , ولكن بمدى محدود ؛ فقد عُرف واستخدم منذ العصر العباسي ، حيث تطوّرت بعض مواقع حصاد المياه الموجودة حاليا طبيعيًا من تلقاء نفسها, وتشكلت نتيجة عوامل جيولوجية وجغرافية منخفضات طبيعية، بعضها ذو قاع طيني، تخزن المياه لمدة 1–2 شهر, يوجد 73 منها في الصحراء الشمالية و22 في الجنوبية , وهناك منخفضات صغيرة بطول 10–500م وعمق 1–5م كخنادق داخل الوديان وتوجد برك صغيرة تتجمع فيها المياه من التلال المجاورة موجودة قرب وادي الثرثار في صحراء الجزيرة، لكنها غير صالحة للشرب، وتستخدم لري نحو 14ألف دونم وبرك طبيعية واسعة تتشكل على مجاري الوديان، وتستخدم في الزراعة بسبب تربتها الطينية الرملية.
بالمقابل تم بناء عدة سدود مخصّصة لحصاد المياه في الصحراء الغربية منذ عام 1970 وكان الهدف منها توفير بيئة طبيعية مناسبة وإعادة تغذية المياه الجوفية (مخلد عبدالله ونذير الأنصاري وجان لاو 2020) وبعد 2003 استمرت الجهات المحلية في بناء سدود صغيرة دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، مما أثار جدلًا حول جدواها خصوصًا عند إقامتها في أحواض سدود كبرى ضمن أي اقليم كردستان .
ان موقع العراق بوصفه الدولة الأدنى في حوض نهري دجلة والفرات، وانخفاض وارداته المائية منذ اكثر من عقدين من الزمن نتيجة بناء السدود في دول المنبع، إضافة إلى تأثير التغير المناخي. مما تسبب بأزمة مياه حادة وللتخفيف من هذه الأزمة، يمكن اعتماد تقنيات حصاد المياه من الجريان السطحي والمياه الجوفية في كلٍّ من الصحراء الغربية، وصحراء الجزيرة، والوديان الشرقية , حيث توجد فرصة محدودة لإعادة تغذية المياه الجوفية في منطقة الجزيرة بسبب وجود طبقات الجبس, أما في المنطقة الجبلية، فقد بُنيت العديد من السدود الصغيرة خلال العقدين الماضيين، بعضها مهم لتوسيع النشاط الزراعي، ولكن هناك حاجة لتقييم تأثيرها على السدود الكبيرة المغذية.
ان حصاد المياه يعتمد على الأمطار المحدودة والمتذبذبة، لذا فإن فهم ديناميكية هطول الامطار يؤثر في اختيار التقنية المناسبة (قادر وآخرون، 2007)
تحدث الأمطار في العراق خلال فصل الشتاء من ديسمبر إلى فبراير، باستثناء الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية، حيث يمتد موسم الأمطار من نوفمبر إلى أبريل وتتوزع الامطار حسب المناطق الجبلية حيث تتراوح بين 1200 ملم وتمثل 18.3% من إجمالي هطول الأمطار في البلاد, في الشمال الشرقي أقل من 100 ملم, في الصحراء الغربية، حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي 100 ملم أو أقل (منظمة الأغذية والزراعة، 2009) ومن العوامل المهمة الواجب أخذها بعين الاعتبار عدد الأيام التي يتجاوز فيها هطول الامطار الحد الأدنى لاشتغال الحوض أسبوعيًا أو شهريًا واحتمالية الهطول المطري الشهري المتوسط واحتمالية وتكرارية الهطول الشهري الأدنى والأعلى (برينز وسينغ، 2000)
ومن الجير بالذكر فان المنطقة المحصورة بين نهر دجلة والحدود العراقية–الإيرانية تعاني سدود حصاد المياه فيها من تراكم الرسوبيات، ومن أهم هذه السدود سد قزانية , والشهابي , وبدرة, ومندلي , لذا يتوجب على وزارة الموارد المائية تفعيل استصلاحهما , بنفس الوقت الوزارة مطالبة بتنفيذ مشاريع حصاد المياه ، في المناطق التي تشهد معدلات أمطار عالية وتسمح طبيعتها الجغرافية بتشكل السيول مثل نينوى والأنبار وديالى وواسط وميسان والنجف الأشرف والسماوة.
ان استثمار مياه الأمطار والسيول لابد ان تكون كجزء من استراتيجية وطنية مستدامة اعتدنا في مواسم الشتاء سنويا وفي اعقاب العوصف المطرية تجري المياه شديدة السرعة الى المناطق المنخفضة , كما حصل بالامس 10-12-2025 فقد شهدت المناطق الغربية من العراق امطار بلغت 18 ملم، نتجت عنها سيول تدفقت عبر وديان (الگصر، أبو تين 1 و2، ومشهد) بتصاريف تراوحت بين 15 إلى 30 متراً مكعباً في الثانية ، تم توجيهها بالكامل إلى بحيرة حديثة، وأن وادي (حوران) و(عين الأسد) الواقعين أسفل سد حديثة، سجلا تصاريف مائية تراوحت بين 30 - 70 متراً مكعباً في الثانية، حيث تم توجيهها إلى عمود نهر الفرات في ناحية البغدادي، ليتم خزنها لاحقاً في مقدمة سدة الرمادي , لكن للاسف السيول التي الى مناطق الكوت والعمارة من الجارة ايران , لحد الان لم تستغل هذه المياه بل بدلا من ان تستثمر لحصاد مائي اصبحت تؤثر على الزراعة والمباني سلبا من خلال اغراقهما.
اخيرا يمكن القول ان حصاد مياه الأمطار اصبح أداة فعالة لا غنى عنها حيث يمثل استراتيجية حاسمة لتنشيط الاقتصاد العراقي، خاصة في ظل أزمة الشح المائي الحالية, وأن مشاريع حصاد المياه لا تقتصر على الزراعة فقط، بل تمتد لتشمل الصناعات الغذائية وتحلية المياه، وحلول الري الذكي، والتقنيات الحديثة في الزراعة المستدامة، وهو ما يخلق فرص استثمارية واسعة ويحفز الابتكار والتوظيف في المناطق الريفية والحضرية
ولنذكر ولنتذكر بان حصاد المياه سيكون الأمل الأخير في مواجهة عطش العراقيين.
*جزء من محاضرة الغيت على طلبة الدراسات العليا في جامعة ارجس التركية – كلية الزراعة 2022