قصيدة آنو بوح الارض للسماء
نادية عوض
«كيف يربط الشاعر المغزى بشغف الحب في قصيدته ؟
البعد الكوني
آنو (ANU) هو الإله الأعلى في الميثولوجيا السومرية والبابليّة،
إله السماء، والسلطة السماوية، ومصدر النور والخصب.
كان يُعدّ أبا الآلهة وحاكم الكون في المعتقدات القديمة،
ومنه يتفرّع القضاء والقدر، والبركة والخصوبة،
وترتبط باسمه الزقّورات والمعابد الكبرى.
هو نورٌ سماوي وهيبةٌ كونية،
يحمل رمزية العلوّ، والقوة، والحماية،
ويُستدعى عادةً حين تضيق الأرض ويُفتش الناس عن خلاص من
القصيدة هي بوح يشبه عتاب الأرض للسماء…
قصيدة رياض الدليمي تُشبه نداءً من طين العراق
إلى الإله الذي كان يُفيضُ على الفرات فتنةَ الماء
كأن الشاعر يقول لآنو:
لقد غاب وجهُك يا إله النور،
فتقشّر الخصب عن البساتين،
وذبل العنب على الشفاه،
وصار الناسُ رهبنةً من فرط ما أثقلهم الخراب.
النصّ مرثية وطنٍ يرفع رأسه نحو السماء
باحثًا عن إلهٍ كان يعده بالخصب،
فلم يبقَ على ضفاف الوعد
إلا أمواج الفرات تهدهد تنهيدة الحزن
وثكالى يفتّشْن عن نور لا يعود.
يا آنو…
أيّها المُدلّل بين الآلهة،
كيف تركتَ العراق يسقط من عينيك؟
كيف سمحتَ للجهات أن تتبدّدوللمعابد أن تغدو مأوى للنازحين بدل أن تكون بواباتٍ للفرح؟
إنها قصيدة تكتب التاريخ بدمعٍ سومري،
وتستحضر إلهاً قديماً لتقول له:
لقد تعب العراق…فانزلْ عليه ولو مرةً، بمطرٍ يعيد الخصب
إلى هذه الروح التي لم تيأس منك رغم كل شيء.
بوح يشبه عتاب الأرض للسماء…
قصيدة تُشبه نداءً من طين العراق إلى الإله الذي كان يُفيضُ على الفرات فتنةَ الماء ويُرسل الفتيات المقدّسات يمرحن تحت شمس تمّوز.
كأن الشاعر يقول لآنو:
لقد غاب وجهُك يا إله النور،فتقشّر الخصب عن البساتين،
وذبل العنب على الشفاه،
وصار الناسُ رهبنةً من فرط ما أثقلهم الخراب.
النصّ بمثابة مرثية وطنٍ يرفع رأسه نحو السماء
باحثًا عن إلهٍ كان يعده بالخصب،فلم يبقَ على ضفاف الوعدإلا أمواج الفرات تهدهد تنهيدة الحزن
وثكالى يفتّشْن عن نور لا يعود.
يا آنو…
أيّها المُدلّل بين الآلهة،
كيف تركتَ العراق يسقط من عينيك؟
كيف سمحتَ للجهات أن تتبدّد
وللمعابد أن تغدو مأوى للنازحين بدل أن تكون بواباتٍ للفرح؟
إنها قصيدة تكتب التاريخ بدمعٍ سومري،
وتستحضر إلهاً قديماًلتقول له:
لقد تعب العراق…
فانزلْ، ولو مرةً، بمطرٍ يعيد الخصب
إلى هذه الروح التي لم تيأس منك رغم كل شيء.
إنها صلاة من الطين… وصرخة من القلب… ودعاء إلى السماء التي نسيت أبناءها.
البعد العاطفي للقصيدة يربط الشاعر المغزى الكوني ، صرخة العراق نحو آنو بـ شغف الحب بطريقة شديدة الذكاء والنعومة، كأنه يقول إن الأرض لا تُشفى إلا بالحب، وإن الخراب الحقيقي هو غياب العشق قبل غياب المطر.
كيف يربط الشاعر المغزى بشغف الحب؟
يستحضر الفتيات المقدّسات
حين يتحدث عنهن “ يمرحن في مياه الفرات”، فهو لا يصف مشاهد طبيعية فقط؛
بل يستحضر الحب بوصفه طقسًا مقدّسًا يهب الحياة للبلاد.
غيابهن هو غياب الحب و غياب الخصب.
وكأن انثى العراق أنثى معطّلة الجمال
حين يتحدث عن “تشقّق الشفاه” و“ذبل الأجاص” و“تيبس عناقيد العنب”،
فهذه استعارات جسدية
تُحوّل جسد العراق إلى جسد عاشقة فقدت حضور المحبوب.
هنا يصبح الوطن أنثى تنتظر عاشقها السماوي ليعيد إليها الحياة.
آنـو هو الحبيب الغائب
رغم أنه إله سماوي، إلا أن الشاعر يعامله كما يُعامَل الحبيب الذي أخلف الوعد.
فهو الذي وعد البنات بولدين سماويين
وبطقوس الزواج
وبعطور الفرات
ثم “لم يفِ” بوعده
هذا إسقاط جميل يجعل علاقة الإله بالبشر علاقة عشق وليست علاقة لاهوتية فقط.
الخصب يُفهم هنا كعشقٍ قبل أن يكون زراعة
كلمة “الخصب” في القصيدة ليست زراعية، إنها شغف، حرارة، جسد، حياة.
وكل “برد” يذكره الشاعر هو برود العاطفة، لا الطقس.
من أقوى الأسطر؛
«الناس صائمون عن العشق»
إنه يُعلن أن كارثة الوطن ليست سياسية فقط، بل عاطفية،
غاب الحب عن الأرواح
فبارت الأرض.
المعابد والزقّورات تتحول إلى رموز للحب المفقود
المعابد ليست أماكن عبادة فحسب، بل أماكن لقاء، احتفال، زفاف، طقوس عشق.
حين يهجرها الناس، كأنهم يهجرون لغة الحب نفسها.
ختامًا
الشاعر يربط بين خراب الوطن وجفاف القلب،
بين غياب الإله وغياب الحبيب،
فيصبح العراق امرأة تنتظر لقاء حب و قبلة نور ليعود إليها الخصب.
إنه يجعل من الحب القوة الوحيدة القادرة على إعادة العراق إلى الحياة؛
لذلك كان النداء إلى آنو
نداء مُحبٍّ يتوسل عودة العشق قبل عودة المطر.