الحلقة الأضعف في معادلة العجز المالي
صادق حسن العمري
كلما ارتفعت أصوات تتحدث عن العجز في الموازنة نجد أن أول الحلول المطروحة هي تقليص المخصّصات التي يعتمد عليها الموظف البسيط لتأمين لقمة عيشه وذلك الموظف الذي يقف ساعات طوال خلف نافـــــــذة الدائرة أو يقضي يومه تحت ضغط العمل وراتبه في النهاية لا يكاد يغطي احتياجات شهر واحد ورغم ذلك يكون أوّل من يُطلب منه التضحية وكأنه سبب الأزمة أو مصدر الهدر
في المقابل تبقى الامتيازات الثقيلة الممنوحة لكبار المسؤولين بمنأى عن أي مساس النثريات والحمايات والمخصصات الخاصة والرواتب الفلــــــــــــــكية للرئاسات الثلاث والنواب والدرجات العليا كلها تظل خطوطًا حمراء لا يقترب منها أحد رغم أنها تشكل جزءًا كبيرًا من الإنفاق غير الضروري الذي يثقل كاهل الموازنة.
كيف يمكن الحديث عن إصلاح أو ترشيد إنفاق بينما الفئات ذات الدخل المحدود تُستنزف يومًا بعد آخر فيما أصحاب المناصب العليا يتنعمون بامتيازات لم تعد موجــــــــــــــودة في أغلب دول العالم؟ فكيف يُطلب من المواطن الفقير أن يضـــــــــــــــحي بينما المسؤول الذي يتقاضى الملايين لا يتنازل عن جزء من راتبه أو امتيازاته؟
إذا كان الهدف هو إنقاذ الموازنة فعلاً فالخطوة الأولى يجب أن تبدأ من الأعلى لا من الأسفل ومن غير المنطقي أن يُترك الموظف يواجه الغلاء بجيبه الفارغ بينما تُصرف ملايين الدنانير على نفقات يمكن الاستغناء عنها دون أن يشعر البلد بأي ضرر.
الإصلاح الحقيقي يبدأ حين تُلغى الامتيازات غير المبررة وتخفض الرواتب المبالغ بها ويُعاد النظر بكل ما يثقل الميزانية بلا نفع لقد آن الأوان لنهج عادل ينظر للمواطن البسيط بوصفه شريكًا في الوطن لا مصدرًا لسد ثقوب الموازنة.
وحين يشعر المواطن أن الدولة تبدأ بنفسها قبل أن تطالبه بالتضحية فعندها فقط يمكن أن يتقبل إجراءات إصلاحية أما أن يبقى الفقير هو الحلقة الأضعف والمسؤول هو الأكثر حصانة فهذه ليست وصفة إصلاح وإنما وصفة لإنتاج المزيد من الغضب وانعدام الثقة. إن العدل يقتضي أن يتحرك الإصلاح باتجاه المسؤول قبل المواطن وباتجاه أصحاب الرواتب الكبرى قبل الباحثين عن قوت يومهم فبلد يستنزف فقرائه ويحصن امتيازات مسؤوليه لن ينهض بالإجراءات الورقية ولا بالخطابات بل بالإنصاف أولا.ً والإنصاف يبدأ من القمة ، حمى الله العراق والعراقيين من المنافقين والفاسدين.