الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المال الحرام الى أين ؟

بواسطة azzaman

المال الحرام الى أين ؟

ماهر نصرت 

 

كنت اتأمل كثيراً في معنى المال  الحرام وكيف يتحول من وسيلة عيش الى عبء يأسر النفس ويجعلها في كابوسٍ دائم ، وحين انظر الى الذين جمعوه بطرقٍ مُحرمة اتساءل في نفسي ما الذي جنوه حقاً من تلك الارقام التي تتكدس في حساباتهم هل تغير طعم الماء في أفواههم ؟ هل صار طعامهم ألذ واكثر هناءاً ؟ هل تنام أعينهم براحة اكثر من عيون الفقراء ؟ في الحقيقة اشك في ذلك ، بل اكاد ارى القلق يرافقهم في كل خطوة ، والخوف يتسلل الى قلوبهم كلما سمعوا همساً في لياليهم أو صوتاً يقترب من ابوابهم وكأن هناك  قوى خفية في الطبيعة تتابع خطواتهم وتنزل بلعناتها على بصرهم واذانهم ومشاعرهم اينما  رحلوا  .

كم هو مُخزي ان يبني السارق والمرتشي قصراً من اموال سرقها وان يزرع حوله حدائق خضراء بينما في مكان آخر ثمة أنسان محروم كان من نصيبه جزءاً من اموال ذلك القصر بأزهاره المزروقة وسط حدائقه الغنّاء ، كم هو مُعيب ان يشتري البعض سيارات فارهة  بأموال مسروقة بدل ان تُفتح بها مدرسة او مستشفى ثم يتحدثون عن الوطنية وعن حب الناس وبناء الوطن  وهم في الحقيقة اول من طعن الناس في رزقهم وسرق اموالهم وحصصهم وخانوا اوطانهم .

افكر احيانا كيف يمكن لإنسان ان يسرق اموالاً عامة ثم يجلس هادئاً كأن شيئاً لم يكن ، ربما يخدع نفسه بالأعذار وربما يظن ان الايام ستمضي دون حساب ،  لكنه لا يدرك ان الحساب يبدأ من الداخل من لحظة فقدانه لطمأنينته وان كل نظرة من والى عيون الفقراء هي وثيقة اتهام لا تحتاج الى محكمة .

احياناً اتساءل هل هولاء يدركون ان المال الحرام لا يصنع السعادة ؟  وان الرشوة لا تجلب الرفعة ؟ بل تهدم ما تبقى من كرامة الانسان ، كيف لهم ان يضحكوا في ولائمهم بينما في مكان آخر  يبكي محتاج لم يجد ثمن دواء او حليب لطفله ؟  كيف لهم ان يتحدثوا عن الاخلاق وهم يضعون اقفالهم على خزائن اموالٍ ليست لهم ؟ .

ربما يتوهمون ان الزمن سينسى وان الذاكرة ستغفو لكن الزمن لا ينسى شيئاً وان طال ، والمظلوم الذي سُلب حقه حين يرفع يده الى السماء لا يحتاج الى دليل ولا توقيع ولا شهود ، يكفي ان يقول يا رب ارجو عدالتك في استرداد حقي من هولاء اللصوص ، فيتحرك ميزان العدالة  الكونية في مكان لا يراه احد ليعاقب الظالمين  .

كل شيء في هذه الحياة زائل ، المناصب ، الاموال ، الاملاك ، الاساور المذهبة ، ولا يبقى الا الاثر الذي يتركه الانسان في نفوس الآخرين فمن زرع ظلماً سيحصد ألماً ولو بعد حين ومن سرق لقمة من فم جائع سيجد نفسه يوماً عاجزاً عن ابتلاع لقمة واحدة ولو كانت الاموال كلها بين يديه .

انها عدالة خفية لا تحتاج الى محاكم ولا اوراق ولا شهود ، بل عدالة تخرج من اعماق الكون لتعيد التوازن حين يختل وتذكرنا ان ما يبقى للإنسان ليس ما يملكه بل ما يقدمه وما يتركه من أثرٍ طيب فكل درهم حرام مخبىء في خزائن اموالهم المحصنة  ، كان يمكن ان يضيء بيت فقير او يساهم في فرح نفس يتيمة .

وهكذا حين ارى كل ذلك اقول في نفسي ما اقصر العمر وما أضعف الانسان حين يظن ان المال يمنحه الخلود بينما الحقيقة ان المال الحرام لا يطيل العمر بل يثقله بالذنوب وان من سرق درهماً من اموال الشعب سيعيش ماتبقى من عمره لايفارقه القلق وتأنيب الضمير حتى يغادر هذا العالم ملفوفاً بخامةٍ بيضاء لاغيرها تحتضه في قبره الى يوم يبعثون .


مشاهدات 102
الكاتب ماهر نصرت 
أضيف 2025/11/11 - 11:41 PM
آخر تحديث 2025/11/12 - 3:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 111 الشهر 8148 الكلي 12569651
الوقت الآن
الأربعاء 2025/11/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير