الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التوافق الدولي وضمان بقاء النظام السياسي في العراق

بواسطة azzaman

التوافق الدولي وضمان بقاء النظام السياسي في العراق

مجاشع التميمي

 

منذ عام 2003، بُني النظام السياسي في العراق على قاعدة “الديمقراطية التوافقية”، وهي فكرة طرحها المفكر الهولندي آرنت ليبهارت منذ ستينيات القرن الماضي، وتعني تقاسم السلطة بين المكونات والهويات المتعددة داخل المجتمع. غير أن ما حصل في العراق لم يكن ديمقراطية توافقية حقيقية، بل “محاصصة توافقية” فُرضت برعاية أمريكية ودولية لتأمين توازن المصالح في دولة خارجة من حرب واحتلال.

حاولت بعض القيادات الشيعية مغادرة هذا النهج، إلا أنها اصطدمت بواقع أعقد من مجرد تفاهمات داخلية، إذ أدركت أن التوافق الحقيقي الذي يحكم العراق ليس توافق المكونات، بل التوافق الإقليمي والدولي حول شكل النظام السياسي ومصيره. وحده السيد مقتدى الصدر حاول كسر هذه المعادلة، لكنه واجه منظومة إقليمية ودولية متشابكة المصالح جعلت استقلال القرار العراقي أمراً شبه مستحيل.

اليوم أصبح التوافق الإقليمي واقعاً راسخاً؛ فالدول المؤثرة في الملف العراقي — وعلى رأسها الولايات المتحدة وإيران وتركيا ودول الخليج — تتقاسم النفوذ وتتناغم مصالحها ضمن حدود لا تسمح بانهيار النظام القائم. فإيران مثلاً تصدّر للعراق بما يقارب 25 مليار دولار سنوياً، وتركيا بما يفوق 28 ملياراً، فيما تتزايد صادرات السعودية والإمارات إليه بشكل مطرد، ما يجعل العراق أكبر سوق مفتوحة لمحيطه الإقليمي من دون أن يحقق هو استفادة موازية من موارده النفطية التي تتجاوز 80 مليار دولار سنوياً.

ولم تعد هذه التوافقات اقتصادية فقط، بل امتدت إلى توزيع النفوذ السياسي، كما ظهر في اتفاقات غير معلنة أعقبت انسحاب السيد الصدر من البرلمان عام 2022، حين تحدثت تقارير عن تفاهم تركي–إيراني–إماراتي وبموافقة واشنطن لتشكيل الحكومة الحالية. كما كشفت تصريحات السياسي أراس حبيب لاحقاً عن تدخل مباشر من الجنرال قاسم سليماني لإعادة ترتيب بعض الشخصيات السياسية في المشهد العراقي، ما أكد عمق التشابك الإقليمي في القرار السياسي لبغداد.

وفي مرحلة ما بعد اتفاق غزة الذي أعاد ترتيب أولويات القوى الكبرى في الشرق الأوسط، برز دور أمريكي أكثر فاعلية في الملف العراقي، خصوصاً بعد تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبعوثاً خاصاً للعراق هو مارك سافايا، في خطوة فسّرها المراقبون بأنها محاولة لإعادة ضبط التوازن مع النفوذ الإيراني المتزايد، وضمان بقاء النظام السياسي العراقي ضمن المدار الأمريكي. ومن المتوقع أن يركز سافايا على ملفات الطاقة، وإعادة هيكلة العلاقة الأمنية، ودعم مشاريع الاستقرار السياسي بما يضمن مصالح واشنطن في مرحلة ما بعد التسويات الإقليمية. هذا التحرك يعكس إدراكاً أمريكياً بأن استقرار العراق بات جزءاً من معادلة الأمن الإقليمي بعد غزة، وأن غيابه قد يفتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ.

في المحصلة، يبدو أن النظام السياسي العراقي يعيش استقراره بفضل هذا التوازن الخارجي، لا بفضل توافق داخلي حقيقي. لكن استمرار هذا النمط يحمل خطراً متزايداً، خاصة مع التحديات الاقتصادية والبطالة وغياب القاعدة الإنتاجية، التي تُبقي العراق رهينة لإرادة الخارج. لذا، فإن أي حكومة مقبلة ستواجه اختباراً صعباً بين الحفاظ على هذا التوازن الدقيق وبين السعي لبناء استقلالية القرار الوطني — وهي مهمة قد تكون الأشد تعقيداً منذ 2003.

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 50
الكاتب مجاشع التميمي
أضيف 2025/11/01 - 4:11 PM
آخر تحديث 2025/11/02 - 4:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 538 الشهر 1317 الكلي 12362820
الوقت الآن
الأحد 2025/11/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير