الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق ليس ساحة لتصفية الحسابات التركية – الكردية

بواسطة azzaman

العراق ليس ساحة لتصفية الحسابات التركية – الكردية

محمد علي الحيدري

 

الإعلان الأخير عن انسحاب عناصر حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى الأراضي العراقية ليس خطوة بريئة كما يُراد تسويقه إعلامياً، بل هو انتقال مباشر لصراع مزمن إلى ساحة ليست طرفاً فيه. فالعراق لم يكن يوماً طرفاً في نزاع أنقرة مع الحزب، ومع ذلك يُراد له أن يتحمل كلفته الأمنية والسياسية، وكأن سيادته باتت هامشاً في تفاهمات الآخرين.

حين تُنقل قوات مسلحة أجنبية إلى داخل أراضٍ عراقية — أيّاً كانت الرايات المرفوعة — دون تنسيق رسمي مع بغداد، فإن ذلك لا يُعد سوى خرق واضح للسيادة، وإهانة صريحة لهيبة الدولة. والمقلق في الأمر أن حكومة إقليم كردستان تتعامل مع هذا الملف بحذر انتقائي، وكأنها طرف محايد في معركة لا تخصها، بينما الواقع يقول إن الأرض التي تتحرك عليها هذه الجماعات هي أرض عراقية، وأن مسؤولية ضبطها وحماية حدودها تقع على عاتق الحكومة الاتحادية والإقليم معاً، لا على حساب أحدهما.

إن أي تسوية تعقد بين حزب العمال وأنقرة يجب ألا تُقام على جغرافيا العراق ولا على حساب أمنه واستقراره. فتركيا التي تسعى لتصفية حساباتها العسكرية والسياسية مع الحزب لا يحق لها أن تجعل من الشمال العراقي منطقة ارتداد أو ملاذاً مؤقتاً، ولا يجوز لحزب العمال أن يحتمي بجبال العراق ليعيد تنظيم صفوفه وكأن البلاد بلا دولة. إن العراق دولة ذات سيادة، وليس ممراً لتصفية الحسابات الإقليمية.

المطلوب اليوم من حكومة الإقليم أن تخرج من منطقة الصمت الرمادي، وأن تتحدث بلغة الدولة لا بلغة المصالح الضيقة. الصمت على تحركات الحزب داخل أراضي الإقليم يعني القبول الضمني بتحويل تلك المناطق إلى ساحة حرب بالوكالة، وهذا ما لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة. فالإقليم جزء من العراق، والسيادة ليست قابلة للتجزئة، ولا يمكن أن تُدار بالازدواجية بين الولاء لبغداد والمواءمة مع أنقرة.

لقد تعب العراق من أن يكون ملعباً لغيره، ومن أن يدفع ثمن الصراعات التي لا شأن له بها. وإذا كان حزب العمال يريد تسوية عادلة، فليكن طريقه نحو السياسة داخل تركيا لا عبر التسلل إلى العراق. وإذا كانت أنقرة جادة في إحلال الاستقرار، فلتُجرِ حوارها على أرضها، لا على حساب أرض الآخرين. أما حكومة الإقليم، فعليها أن تتذكر أن شرعيتها الدستورية تنبع من العراق لا من رضا العواصم المجاورة.

إن السيادة ليست شعاراً وطنياً يُرفع في المناسبات، بل التزام فعلي بحماية الأرض من أن تتحول إلى ورقة في أيدي الآخرين. ومن المؤسف أن يُطرح ملف بهذا الحجم وكأن العراق مجرد مساحة جغرافية متاحة لإعادة تموضع المتقاتلين. إن كرامة الدول لا تُصان بالتصريحات، بل بالمواقف، والعراق اليوم أحوج ما يكون إلى موقف واضح يقول لكل الأطراف: هذه الأرض عراقية، ولن تكون ساحة لتسويات أحد.


مشاهدات 152
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/10/28 - 3:02 PM
آخر تحديث 2025/10/29 - 11:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 355 الشهر 19824 الكلي 12159679
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير